عاطف عبد الغنى يكتب: نزيف العراق لم يتوقف

مازالت بلاد الرافدين تعيش أزمة الوضع الذى كرسه الاحتلال قبل ما يقرب من عقدين من الزمان، حين غزت قوات التحالف وعلى رأسها أمريكا، العراق واحتلته بذريعة نزع أسلحة الدمار الشامل، ووقف دعم الرئيس صدام حسين للإرهاب، وتحرير الشعب العراقي.
وانطلقت غزوة أمريكا وحلفائها للعراق فى 19مارس من عام 2003 عبر الضربات الجوية، وبدأ الزحف الأرضى فى اليوم التالى واستمرت العمليات القتالية الكبرى، قرابة شهرا لتنتهى هذه المرحلة المبكرة من الحرب، بإعلان الرئيس جورج بوش الأبن رسميا في الأول من مايو 2003، ليبدأ بعدها مباشرة تأسيس سلطة التحالف المؤقتة كأول حكومة انتقالية من بين عدة حكومات انتقالية متتالية أدت إلى أول انتخابات برلمانية عراقية في يناير 2005، وتم خلال ذلك تقسيم سلطات البلاد البرلمانية والتنفيذية بين السنة والشيعة والأكراد بنظام المحاصصة، كخطوة أولى فى مخطط تقسيم العراق.
وقبل 48 ساعة جاءت الأخبار تفيد أن البرلمان العراقى عقد جلسة سرية لانتخاب رئيسا جديدا للبلاد، وبعد ساعات قليلة وفى غيبة كتلة نواب التيار الصدرى البالغ عددها 73 نائبا؛ تمخضت الجلسة (الإجرائية) عن انتخاب الكردى عبد اللطيف رشيد، رئيسا للبلاد، ولم تمر على هذه العملية دقائق معدودة حتى أصدر الرئيس المنتخب قرارا بتكليف عضو البرلمان، محمد شياع السودانى، (كان قد تم تداول اسمه من قبل، وتم رفضه من بعض القوى السياسية)، بتشكيل الحكومة، وحدث كل هذا فى عجالة تعكس أن الأمور كانت مرتبة ومتفق عليها بين تلك القوى السياسية المكونة من الإطار التنسيقى، وحزب دولة القانون الذى يقوده الرئيس العراقى السابق نورى المالكى، والحزب الديمواقراطى الكردى الذى انضم لهذه القوى لتمتلك الأغلبية المطلقة فى البرلمان، وتختار الرئيس الذى اختار بدوره رئيس الوزراء فى نظام برلمانى حسب الدستور العراقى.
ومن المعروف أن هذه القوى الفائزة مدعومة من إيران، ورجالها يعكسون بشكل أو بأخر السياسات الإيرانية تجاه العراق، وفى المقابل يقف التيار الصدرى بقيادة زعيمه الشيعى مقتدى الصدر، منافسا، ومعارضا لهم وللوجود الإيرانى وميلشياته فى العراق، لكن خطأ الصدر الأكبر واتباعه، كان انسحابهم من البرلمان، وتركهم تلك الساحة مفتوحة للخصوم، التى التفت على الدستور، ووصلت إلي إلى ما كان مستحيلا فى وجود الصدر وأعوانه فى البرلمان.
ومن الماضى والحاضر إلى المستقبل، والسيناريوهات المتوقعة، تبرز الأسئلة: ماهو موقف التيار الصدرى؟!.. وما هى حظوظ الحكومة الجديدة من التشكيل؟!.. والاستمرار؟!
فيما يخص موقف التيار الصدرى، كان هناك سيناريوهان، خرجا فى أعقاب انتخاب رئيس البلاد، واختيار رئيس الحكومة المكلف، يشير السيناريو الأول إلى إمكانية شراء سكوت مقتدى الصدر وأتباعه بمنحه حقيبتين سياديتين أو ثلاثة حقائب وزارية فى الحكومة الجديدة، لكن الصدر أفسد هذا التوقع، بإعلان تياره عبر وسائل التواصل، فى تغريدة رفض فيها وحذر أتباعه الحاليين، أو السابقين، من المشاركة فى الحكومة القادمة، وأكثر من هذا صدر بيان عن التيار يحذر من تحول العراق إلى ألعوبة للأجندات الخارجية، وتحول السلاح للأيادى المنفلتة، وأموال الشعب إلى البنوك وجيوب الفاسدين (حسب البيان).
وماسبق ينقلنا إلى السيناريو الثانى والأخطر وهو التصعيد، والذى يعنى خروج التظاهرات مجددا إلى الشارع العراقى، ترفض الحكومة القادمة قبل أن تتشكل، ويروج لهذا السيناريو نخبة كانت تأمل أن تأتى شخصية رئيس الحكومة الجديد من خارج هذه التشكيلة الفئوية والحزبية، والطائفية التى اتفقت على أمرين أولهما تقسيم الوزارات والمناصب بالمحاصصة، وأن يكون الولاء فيها للحزب، ورئيسه، وليس للوطن والمواطن.
أما أمر تشكيل الحكومة نفسها فتكتنفه بعض المصاعب، والعراقيل، فليس من المستبعد أن يختلف الفرقاء المتفقون على التقسيم، ويتفجر التحالف القائم على المصالح الفئوية والجهوية والشخصية، فتفشل الطبخة قبل نضجها، وربما تتشكل الحكومة أيضا، ولكن تسقط تحت ضغوط الشارع العراقى.
.. وفى كل الأحوال فالخاسر هو الوطن، والمواطن العراقى، الذى يعانى لسنوات طالت من مشكلات اقتصادية، وسياسية، وأمنية، منذ أن وطأ الاستعمار البغيض أرضه، وانساق البعض لشيطانه، فزرع فيهم فتنة التقسيم، ورحل استعمار الغرب لتتسرب إيران وتملء الفراغ، وتحوّل العراق إلى ورقة تلاعب بها الغرب وإسرائيل فى صراعها المحتدم معهما، لا تبالى بنزف العراق المستمر وجرحه العصى على الشفاء.

زر الذهاب إلى الأعلى