طارق متولى يكتب: يوميات زومبى (51) زمن الزومبى

عدت إلى المنزل فى الخامسة مساءا بعد العمل، وقد قررت أن اقضى بقية اليوم فى البيت للراحة والهدوء.

جلست لتناول فنجان من القهوة فى البلكونة استمع لبعض الموسيقى الخفيفة فى الراديو بدأ الليل يحل محل النهار.

أحاول دائما متابعة لحظة منذ زمن أن أركّز فى الأفق لأرى كيفية تحول النهار إلى ليل لكننى لم استطع فهى عملية معجزة فى الحقيقة تتم بدقة متناهية، وتدرج يعجز المرء عن الإحاطة به.

نظرت إلى السماء التى تغطيها بعض السحب، فلاحظت عدم وجود نجوم فى السماء.

أذكر واأنا صغيرا كنا نرى السماء أكثر زرقة ومليئة بالنجوم فأين ذهبت النجوم ؟ يبدو أن هناك غبار كثيف يحيط بسقف المدينة يمنع رؤية النجوم أو زرقة السماء.

ربما أهل القرى والمدن الساحلية لا زالوا يستمتعون برؤية السماء صافية مليئة بالنجوم كما كانت هنا من قبل .

بعد أن فرغت من القهوة جلست فى غرفة المعيشة اقرأ رواية للكاتبة التشيلية الشهيرة ايزابيل الليندى، هذه الكاتبة الرائعة من اشهر كتاب العالم وهى واحدة من أفضل عشرين كاتب روائى على مستوى العالم.

الرواية اسمها “دفتر مايا” تحكى عن طفلة صغيرة تخلت عنها والدتها التى انفصلت عن أبيها وهى لاتزال فى الخامسة من عمرها، فأرسلها والدها لتعيش مع جدها وجدتها اللذان اعتنا بها جيدا وبدراستها وكيف شكل جدها أهمية قصوى فى نموها الوجدانى والعاطفى بحبه ومرافقته لها فى كل الأوقات، فشكل بالنسبة لها أهم شخص فى العالم حتى أكثر من أبوها الذى كان ياتى لزيارتها كل فترة حسب ما تسمح له الظروف وأمها التى لم ترها منذ تركتهم هى وأبيها لذا كانت وفاة جدها وهى فى سن المراهقة صدمة كبيرة، لم تستطع التعافى منها فأنخرطت فى ممارسات خاطئة كثيرة مثل إدمان الكحول والمخدرات وبعض المغامرات التى كادت أن تودى بحياتها لولا وجود جدتها التى استمرت فى دعمها وعملت على علاجها بمساعدة بعض أصدقائها ومساعدة بعض الجمعيات الخيرية التى تعمل على مساعدة المدمنين وتقدم لهم الرعاية النفسية.

مايا تعافت أيضا وأنهت دراستها حسب قولها بسبب جدها الذى كان دائما ما يأتى لها عندما تستدعيه فى ذاكرتها ويذكرها بجمالها وقيمتها وأنها ستكون أفضل فتاة فى العالم .

الرواية ممتعة جدا وطويلة انصحكم بقراءتها .

فى الوحدة الوقت يتضاعف ولا يمر بسهولة، أدرت جهاز التلفزيون كى اتسلى بأى شىء أتابعه قبل النوم وجدت قنوات الأفلام الأجنبية المجانية، ولابد أن أقول هنا المجانية حيث أصبحت القنوات المشفرة كثيرة ومنتشرة.

كل الافلام التى يعرضونها مكررة ومعادة شاهدتها على الأقل مرتين أو ثلاثة فإذا أردت أن تشاهد أعمالا جديدة عليك أن تشترك فى باقات القنوات الخاصة، وإلا فعليك أن تقبل ما يقدمونه لك مجانا، هذا مبدأ النظام الرأسمالي الذى طغى على عالمنا، كل شىء بثمنه وما ليس له ثمن ليس له قيمة وهذه خطورة ما فى الأمر .

على أحد القنوات المصرية وجدتهم يعرضون مسلسل جديد عن سيرة الفنان الراحل نجيب الريحانى الضاحك الباكى بطولة الممثل عمرو عبد الجليل، تذكرت عندما رأيت عمرو عبد الجليل أول مرة عندما كان فى بداية طريقة كان صديق لأحد أصدقائى، وكان يسكن مع مجموعة من الأصدقاء فى شقة مفروشة متواضعة فى منطقة الهرم كلهم كانوا يعملون فى مجال التمثيل والموسيقى.

وفى بداية حياتهم العملية كانوا حوالى خمسة نجح منهم اثنين عمرو عبد الجليل كممثل، وعمرو الجبالى كموسيقار، أما البقية فلم ارهم ثانية ولم اسمع بهم لذا لا أتذكر أسماءهم.

كنت قد شاهدت بعض حلقات المسلسل فى أيام سابقة، وهذه الحلقة ربما تكون الثامنة، الحقيقة المسلسل لم يشدنى للحرص على متابعته.

من وجهة نظرى أن عمرو عبد الجليل لم يتقمص شخصية نجيب الريحانى بل عبر عنها بطريقته المختلفة تماما عن طريقة وأسلوب نجيب الريحانى، وإن كان كلاهما ساخرا إلا أن الفرق فى الشخصية كبير.

لفت نظرى مثلا فى جملة حوار أحد الممثلين يسأل نجيب الريحانى الذى يقوم بدوره عمرو عن لفافة بحوذته يعتقد أن بها طعاما يريد أن يأكل منه فرد عليه عمرو قائلا إنها (لفة كدابة) وهى من النكات التى تحتاج كتالوج لشرحها وخاصة بأسلوب عمرو الذى اعتاد على إلقاء (الإفيهات) فى جميع أعماله وهذا بخلاف شخصية نجيب الريحانى الحقيقية التى كانت تعتمد على كوميديا الموقف والحدث وليس على إلقاء (الإفيهات) والنكات.

بقية الممثلين فى المسلسل كانوا أقل من عمرو عبد الجليل فى التقمص فشعرت أنهم يمثلون الشخصيات بروح شعبية معاصرة وليست بروح عصر نجيب الريحانى وذلك من خلال مفردات الحديث والأسلوب الثقافى للشخصيات، مثل مشهد المقهى الذى يقول فيه عامل المقهى لعمرو أو نجيب مفيش شاى قبل ما تدفع اللى عليك فالمقهى فى عصر الريحانى لم يكن مجرد كراسى خشبية متواضعة وعامل المقهى لم يكن بهذه الهيئة ولا يتكلم بهذا الأسلوب.

وهذا يقودنا لتصميم الملابس فى المسلسل بصفة عامة الذى لم يكن موفقا واختصره صنّاع المسلسل فى الحمالات التى يلبسها عمرو أحيانا، ولم يظهر تنوع الملابس فى هذه الفترة فى الحياة المصرية لطبقات الشعب المختلفة.

أيضا الإضاءة الخافتة فى المسلسل تشعرك طوال الوقت أنك فى حانة واعتقد أنها غير متناسقة.

وبالتأكيد أساتذة الدراما والأعمال الفنية ممكن يقولوا كلام أكثر من هذا، ولكنى أعبّر عن وجهة نظرى كمشاهد وأرى أن صنّاع المسلسل لم بتكبدوا عناء الإهتمام بتفاصيل كثيرة ربما لمحاولة ضغط التكلفة بالتصوير فى أماكن محدودة جدا واستخدام ديكور متواضع.

لم يعد التلفزيون هذه الأيام أيام الزومبى يقدم فى الحقيقة أى متعة، لا على المستوى الفكرى ولا على المستوى الوجدانى، بل يقدم بضاعة رخيصة ورديئة مثل جميع المجالات فى زمن الزومبى .

ونكمل فى يوم اخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء.

اقرأ ايضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى