د. حامد محمود يكتب: رسائل خطبة العيسى فى عرفة (1من2)

بإلقاء الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى خطبة عرفة، تكون السعودية انتصرت للوسطية والتسامح، واللذان يعدان ركنا رئيسا من رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المتعلقة بالتجديد والنهوض في مجالات التفكير بخطابٍ دينيٍّ جديد . فالامير محمد يدعو إلي اتباع نهجٍ جديدٍ في مقاربة القضايا المتصلة بأصول الدين ووظائفه واهتماماته، وأدوار علماء الإسلام في التصدي للتحريف والاختزال والالتفات إلى المعروف من جهة، وإلى الجديد والمتقدم من جهةٍ ثانية , وذلك ضمن رؤيته للدولة السعودية الجديدة وخطة تحديث المملكة المعروفة 2030 .

خمسة رسائل فى خطبة عرفه

تميزت الخطبة التى القاها الدكتور محمدعبدالكريم العيسى عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي من مسجد نمرة، في يوم ركن الحج الأعظم،تميزت بالرصانة والمباشرة والاختصار والبعد عن الزخارف اللغوية، بمقدمة شملت التأكيد على الالتزام بتقوى الله، معتبرا أن “من تقوى الله أن نكون مستجيبين لما دعا الله إليه من التوحيد بإفراده بالعبادة وعدم صرف شيء من العبادات لغيره كائناً من كان , كما احتوت الخطبة على قضايا وموضوعات عدة وموجها عدد من الرسائل ..

أولى رسائل الخطبة هي التأكيد على ضرورة “الامتثال لقيم الإسلام التي صاغت سلوك المسلم فهذبته خير تهذيب”، مؤكدا أن ذلك يندرج في إطار “المسارعة في فعل الخير

ولفت العيسى إلى أن حسن الخلق في “الوصف العام” قيمة مشتركة بين الناس كافة، يقدّرها المسلم وغيره؛ إذ هي سلوك رشيد في القول والعمل. وأضاف أن المسلم “براسخ قيمه” لا يلتفت لجاهل ولا لمغرض ولا لعائق، كما يعلم المسلم أن منازلة أولئك تسهم في إعلاء ذكرهم، ونجاح مشروعهم، وهو ما يسعدون به، بل إن الكثير منهم يعول عليه

لكن العيسى استدرك مؤكدا أن عدم منازلة الجاهلين والمغرضين لا يعني التوقف عن كشف مخاطر تدليسهم، مثلما يتم التصدي للإساءة البينة، وكل ذلك يساق بحكمة الإسلام.

الرسالة الثانية كانت حول البعد عن كل ما يؤدي إلى التنافر والبغضاء والفرقة وأن يسود تعاملاتنا التواد والتراحم.

واعتبر الشيخ العيسى أن “هذه القيم محسوبة في طليعة معاني الاعتصام بحبل الله حيث يقول جل وعلا: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) والوحدة والأخوة والتعاون تمثل السياج الآمن في حفظ كيان الأمة وتماسكه، وحسن التعامل مع الآخرين”.

الرسالة الثالثة كانت بالتأكيد على ان الإسلام روح جامعة، يشمل بخيره الإنسانية جمعاء، ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وهو القائل: “خير الناس أنفعهم للناس”، لذا سما التشريع الإسلامي بإنسانيته التي لا تزدوج معاييرها، ولا تتبدل مبادئها فأحب الخير للجميع وألف قلوبهم”.

الرسالة الرابعة ربط فيها الدكتور العيسى بين تلك القيم السمحة وبين انتشار نور الإسلام، حتى “بلغ العالمين في أرجاء المعمورة، حيث تتابع على تبليغ هذا الخير رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فأثمر هذا الهدي الرشيد أتباعاً مهديين، سلكوا جادة الإسلام”.

الرسالة الخامسة تناولت دور علماء الدين في التصدي للمفاهيم المغلوطة عن الإسلام، موضحا أنه “كان لأهل العلم الراسخين أثر مبارك في الاضطلاع بمسؤولية البيان، ومن ذلك التصدي للمفاهيم الخاطئة والمغلوطة عن الإسلام

بين رؤية الدولة الجديدة ومواجهة حملات التحريض

الدكتور محمد العيسى عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، له مسيرة طويلة في العمل الدعوي والحكومي والأكاديميُيّن , كما ان له مآثر عظمى في القضاء السعودي إبان فترة توليه وزارة العدل، وقدم إصلاحات مشهودة، وتبنى مشروع تقنين الأحكام القضائية، وشهد عهده في وزارة العدل إصدار أول رخصة محاماة للمرأة السعودية .

فتحن امام رجل يمتلك رؤية متقدمة لدولة عصرية حديثة , ويعى حجم العقبات والتحديات التى تواجه تطبيق هذه الرؤى وتغيير التوابيت والنظريات الجامدة .

وبمجرد الإعلان عن تكليف الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى عضو هيئة كبار العلماء الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بإلقاء خطبة عرفة، شن أنصار الجماعات الإرهابية وعلى رأسها “الإخوان” و”داعش” و”القاعدة” حملة أكاذيب وافتراءات ضارية ضده.

حملة تضمنت تحريضا وتشويها وقلبا للحقائق في محاولة إخوانية واضحة لتشويه صورة الشيخ محمد العيسى.
حملة أفرغوا خلالها حنقهم بكل لفظ استباحي بل وتكفيري بحق الشيخ العيسى، عبر هاشتاق أطلقوه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” تحت اسم “#أنزلواالعيسىمن_المنبر”.

وتمثل خطبة عرفة رسالة تؤكد من خلالها السعودية انتصارها لقيم الوسطية والتسامح، وتوجه صفعة قوية لتنظيم الإخوان الإرهابي.

ولا تعد تلك الحملة الإخوانية الأولى التي تستهدف الشيخ العيسى، فالرجل يعد هدفا دائما لحملات الجماعات الإخوانية ونظرائها من الجماعات المتطرفة والإرهابية.

ويعود استهداف الشيخ العيسى بتلك الحملات، ومن بينها الحملة الأخيرة، لعدة أسباب أبرزها قيادته منذ سنوات حملة لتصحيح الصورة النمطية عن الإسلام من خلال جولاته المكوكية في العديد من دول العالم سواء في البرامج والفعاليات والخطب الدينية التي يلقيها حول العالم، نجح خلالها بالفعل في ترويج لخطاب “وسطي معتدل” أظهر سماحة الإسلام ونقاءه ودعوته للتسامح والسلام.

ومنذ توليه منصب الأمين العام لرابطة العالم الإسلام في أغسطس/آب عام 2016، قام الشيخ محمد العيسى بمبادرات عدة كشف خلالها قولا وفعلا أن الإسلام هو دين العدالة الإنسانية، الذي يحافظ على قيمها الراقية في التعامل والتكامل.

كما لعبت رابطة العالم الإسلامي دورا رائدا في تعزيز التعايش والوئام بين أتباع الأديان والأعراق والثقافات حول العالم.

ودأبت جماعة الإخوان الإرهابية على نسخ الأكاذيب في كل ما يضر بالإسلام والمسلمين وقضاياهم، والنيل من العلماء الذين عرف عنهم المنهج المعتدل الذي يمثل وسطية الإسلام ورسالة التسامح بين الأمم والشعوب، ومنهم الشيخ العيسى على وجه الخصوص.

ثاني تلك الأسباب جهود الشيخ العيسى الرائدة لكشف حقيقة تنظيم الإخوان الإرهابي ومؤامراته حول العالم، الأمر الذي جعل تلك الجماعة الإرهابية تناصبه العداء.

وسبق أن حذر الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى الأقليات الدينية في الغرب من أن جماعة الإخوان” تصدر لهم “مفاهيم خاطئة” عن الإسلام.

وبين أن “هذه الجماعة تنطلق من فرضية خاطئة وهي الصدام والصراع والمؤامرة الحتمية بين الإسلام والغرب، ولذلك عندما أناقش الغرب بهذه الخلفية، فلن أصل معهم إلى نتيجة، بل إلى مزيد من الصراع”.

ودعا في هذا الصدد إلى الوعي داخل الأقليات الدينية في الغرب، وتحصين الفكر الإسلامي من أفكار ما يسمى بالإسلام السياسي، أو أفكار جماعة الإخوان، لافتا إلى أن الكثير من الصدامات والشحن لدى بعض الشباب المسلم مصدره عدم وجود التحصين الكافي من أفكار الإخوان.

ولفت “العيسى” إلى أن بعض المتطرفين هم من يثيرون اليمين المتطرف، ويسعدون بردة فعله من أجل أن يكون هناك صدام وصراع حضاري بين الإسلام والغرب لأنه لا يعيش إلا في هذه البيئة، فمشروعه هو الصدام والصراع والعمل الإرهابي والعنف في كل مكان، مشيرًا إلى أن نصف مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي من مسلمي الغرب الذين تسلل إليهم الإسلام السياسي، وهذه خطيرة وسلبية على الإسلام، مبينًا: “مهمتنا في رابطة العالم الإسلامي إيضاح الحقيقة”.

كما أكد رئيس هيئة علماء المسلمين أن الخصوصية الدينية لا تتقاطع أبدًا مع وجوب التعايش بين الجميع، لأن هذه الخصوصية لا تتدخل مطلقًا في نصوص الدستور الذي ضمن للجميع حريته الدينية.

ثالث تلك الأسباب هو أن الحملة التي تستهدف العيسى تأتي ضمن محاولات الإخوان المستمرة للتشويش على جهود السعودية لخدمة ضويف الرحمن.

وخلال الأيام الماضية، دشنت جهات مشبوهة يتصدرها عناصر إخوانية، حملة على مواقع التواصل الاجتماعي عبر حسابات وهاشتاجات تحت اسم “الحج ليس آمناً” لترهيب ضيوف الرحمن من أداء الفريضة، والتحريض ضد المملكة، وإطلاق افتراءات للتشويش على جهود الرياض في خدمة الحجاج.

دعوات ومؤامرات ليست بمستغربة على تنظيم الإخوان الإرهابي، الذي سبق وتجرأ على الدين، ودعا لمقاطعة الحج عام 2019.

وسعى تنظيم الإخوان الإرهابي منذ تأسيسه في عشرينيات القرن الماضي إلى استغلال فريضة الحج لأهداف سياسية، وإن اختلفت تلك الأهداف في بدايات تأسيس التنظيم عن الفترة الحالية.

وفي البدايات كانت عناصر الإخوان تستغل الحج للترويج لأفكار الجماعة واستقطاب الأنصار، ولكن تلك الأهداف اختلفت بعد تصنيف السعودية الإخوان كتنظيم إرهابي، حيث تحولت الجماعة إلى التآمر على السعودية خلال موسم الحج.

وتقف السعودية بحزم أمام محاولات تسييس الحج، مشددة على أهمية المحافظة على مقاصد الحج الإيمانية، وتعظيم شعيرة الحج واستغلاله في بذل الطاعات والعبادات تقربًا لله، وعدم الخروج عن شعيرة هذا النسك العظيم برفع أي شعارات سياسية أو مذهبية.

العيسى وتفنيد اكاذيب الاخوان

وأعادت الحملة الإخوانية التي تستهدف الشيخ العيسى بث أكاذيب قديمة سبق أن فندها الشيخ العيسى في تصريحات سابقة.

كما تضمنت الحملة تشويه مبادرات رائدة للشيخ العيسى حظيت بإشادة إسلامية ودولية.

وتداولت الحملة مقاطع فيديو تظهر قيام الشيخ محمد العيسى بقرع جرس، زاعمين أن الجرس هو ناقوس في كنيسة.

وقال الدكتور محمد العيسى في تصريح سابق إن الجماعات المتشددة ومنها جماعة الإخوان الإرهابية تريد التدليس على المسلمين، بنشر بعض المقاطع والتعليقات التى تخالف الحقيقة، ومن تلك الشائعات تداولها لمقطع فيديو من إندونيسيا، وزعمها أن هذا الفيديو هو في الكنيسة لإعلان توحيد الأديان تحت ما يسمى “الدين الإبراهيمي”، وهو ما ينافي الحقيقة.

وبين أن هذا الفيديو الذي تم تداوله على نطاق واسع لم يكن في الكنيسة على حد زعم جماعة الإخوان الإرهابية وأذرعها، بل كان في افتتاح ملتقى شباب جنوب شرق آسيا في العاصمة الإندونيسية جاكرتا حول موضوع دور الشباب في تمثل سماحة الإسلام ونشر السلام في التاسع والعشرين من شهر نوفمبر من عام 2020م، حيث يعد قرع الجرس تقليدا درج الإندونيسيون على القيام بذلك في افتتاح المؤتمرات والاحتفالات.

أيضا تضمنت حملة الافتراءات تشويه مبادرة للشيخ العيسى التي زار خلالها معسكر الإبادة الجماعية لليهود في بولندا إبان الحرب العالمية الثانية أوشفيتز في يناير/كانون الثاني عام 2020، ضمن جولة دولية في عدد من المواقع التي تعرضت للظلم والاضطهاد، وذلك للتأكيد على التنديد بتلك الجرائم البشعة دون استثناء أيٍّ منها، وأن هذه هي قيم الإسلام.

 تاريخ طويل من العمل الدعوى وسيرة مضيئة

ويتوج إلقاء الشيخ محمد العيسى خطبة عرفة، اليوم، رحلة طويلة قضاها إمامًا وخطيباً على منابر الجُمع باتساع خارطة التواجد الإسلامي حول العالم.

ومن أبرز أقواله في خطبه :”المسلم الحق هو من يؤلف القلوب ويجمع ولا يفرق.. المسلم الحق من يحسن تبليغ رسالة الإسلام للعالمين”.

وفي خطبة أخرى أكد أهمية تطبيق “الإسلام المنفتح والمتسامح والمتعايش مع الجميع بدون استثناء”.

كان الدكتور العيسى، عُيّن في 13 أبريل\ 2007 نائباً لرئيس ديوان المظالم، ووزيراً للعدل خلال الفترة بين 14 فبراير/ 2009، و30 يناير\ 2015، كما عُيّن في 30 مارس/ 2012 رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء، فمستشاراً بالديوان الملكي.

واختاره مجلس وزراء العدل العرب في 27 نوفمبر 2012 رئيساً فخرياً، ونال منصب المشرف على مركز الحرب الفكرية العالمي لوزارة الدفاع في 23 ديسمبر/ 2015.

وعُيّن في 13 أغسطس/ 2016 أميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي، ورئيساً للهيئة العالميّة للعلماء المسلمين، وعضواً بهيئة كبار العلماء السعودية في 3 ديسمبر/ من العام ذاته.

ومع مطلع عام 2017 أصبح مشرفاً عاماً على مركز الملك سلمان للسلام العالمي بماليزيا، واختير رئيساً لرابطة الجامعات الإسلامية في 2019. كما سبق أن انضم لعضوية هيئة التدريس في كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود، والمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة.

وقدّم الدكتور العيسى محاضرات داخل السعودية وخارجها، عن الفقه الإسلامي ونظرياته القضائية.

وسبق تكريمه من عدد من الدول والهيئات والمؤسسات حول العالم نظير جهوده في إبراز الصورة الحقيقية للإسلام، وتعزيز قيم الوسطيّة والتعايش والسلام، والوئام بين أتباع الأديان والثقافات، ونضاله المؤثر في مكافحة الكراهية، ونشر الاعتدال.

اقرأ ايضا للكاتب:

……………………………………………………………..

الكاتب: إعلامى وباحث سياسى

 

زر الذهاب إلى الأعلى