طارق متولى يكتب: يوميات زومبى (59 ) زومبى رأس السنة

مع نهاية العام وتقريبا بداية من منتصف شهر ديسمبر ترى اعلانات فى كل مكان ومظاهر احتفالات فى الشوارع والأسواق استعدادا للعام الجديد واحتفالات رأس السنة الميلادية وتجد سؤالا يتردد فى غير موقعه عندما يسالك أحدهم : ها تقضى رأس السنة فين السنة دى ؟.

سؤال عجيب الحقيقة لم أجد إجابة عليه طوال سنين حياتى فمنذ أن كنت صغيرا وأنا أسمع وأشاهد مظاهر هذا الاحتفال فى القنوات والصحف حفلة هنا يحيها الفنان الفلانى وحفلة هناك تحيها مطربة معروفة كنت أشعر بالحزن عندما لا اجد سبيلا للأحتفال مثل هؤلاء وأشعر بالحنق تجاه عائلتى التى لا توفر اى نوع من الإحتفال بهذه المناسبة عندما كبرت سمعت بعض الشيوخ يقولون إن أفضل شىء هو أن تتقرب إلى الله فى هذا اليوم الأخير من العام حتى تختم العام بصورة طيبة
وتبدأ عام يباركه الله سبحانه وتعالى، لكن ظل لدى هاجس ورغبة فى الاشتراك فى هذه الاحتفالات التى كنت أراها وأسمع عنها فى الفنادق الكبرى مثل النجوم وعلية القوم.

وتحقق هذا الحلم عندما عمل أحد أصدقائى أكرم فى أحد الفنادق ودعانا أنا وصديقين آخرين سمير وهادى لحضور حفل رأس السنة فى الفندق الذى يعمل به ، ارتديت افضل ملابسى هذا اليوم وذهبت مع اصدقائى إلى الفندق لنرى هذا العالم الغريب بالنسبة لنا.

فى قاعة الحفل استقبلنا زميلنا أكرم واجلسنا على طاولة فى آخر القاعة مخصصة للعاملين وكأننا منبوذين، لا يرانا أحد ونرى الاحتفال من مسافة بعيدة إلى حد ما، لكنه أحضر لنا طعام جيد من طعام الحفل ورحنا نحاول جاهدين مشاهدة الحفل والضيوف الذين فى معظمهم يعرفون بعضهم البعض وكان هذا باديا من أحاديثهم المشتركة.

بعضهم يرتدى طراطير حمراء يأكلون ويشربون ويضحكون وكنت قد سمعت ورأيت فى بعض مشاهد الأفلام القديمة فى التلفزيون والصحف أيضا أنه عند الساعة الثانية عشرة صباحا منتصف الليل تماما تطفأ الأنوار ويقبل كل شخص زوجته أو رفيقته فرحنا ننتظر هذه اللحظة لكن شيئا من هذا لم يحدث واكتشفنا أنها خرافات.

فى الخلفية كانت مطربة شهيرة تغنى لا يعريها أحد أى اهتمام فالكل مشغول بالطعام والشراب والحديث تقدمت أمام الطاولات لرؤيتها عن قرب فتعجبت كثيرا أنها نفس المطربة التى طالما شاهدتها على القنوات فى قمة الجمال والروعة فإذا بها سيدة أربعينية ليست جميلة بهذا القدر الذى أراه على الشاشات حتى صوتها لم يكن قويا ورائعا كما فى التسجيلات والفيديوهات.

إنه عالم زومبى كامل.

انتهينا من الطعام أنا واصدقائي لم نجد شيئا أخر نفعله فغادرنا وقلت لنفسى أهذا هو الحفل الذى طالما حزنت لعدم استطاعتى حضوره كم كنت ساذجا ومغفلا ، هنا تعرفت على زومبى الهيصة والدعاية هذا الزومبى يصور لك الأشياء بغير حجمها الطبيعى يضخمها أضعاف مضاعفة فتراها من الأهمية بمكان وأنه من العار أن تفوتك و ألا تكون من المشاركين فيها.

هذا أحد الأسباب التى جعلت مثلا موظف بسيط فى الحى أستاذ سيد جارنا يحتفل كل عام بمفرده رغم رقة حاله فكل عام يشترى فى هذا اليوم زجاجتين من البيرة يخفيهم بين طيات ملابسه ثم يمر على المحمصة ليشترى الفول السودانى ثم يدخل بيته وبعد منتصف الليل مباشرة يخرج إلى شرفة شقته ويلقى بزجاجات البيرة الفارغة فى الشارع فيحدث ارتطامها صوت انفجار وتتتكسر وتملأ الشارع بكسر الزجاج تصرفات زومبى فائق السرعة.

العجيب أن كثير من الأصدقاء المسيحيين ممن أعرفهم لا يحتفلون فى هذا اليوم فلا هو عيد بالنسبة لهم ولا موعد صلاة ولا شىء فالعيد عندهم إما يوم 25 ديسمبر بالنسبة للكاثوليك حسب العهد الجديد وإما يوم 7 يناير بالنسبة للأرثوذوكس حسب العهد القديم.

حتى اننى سألت ذات مرة أحد اصدقائى من الأمريكان عن ليلة رأس السنة فى أمريكا فأخبرنى أنه ربما يذهب البعض للكنيسة ربما ولكن لا أحد يحتفل فى مكان بعينه أو يفعل شيئا بعينه لكن العادة جرت على الاحتفال بهذه الطريقة وفى هذه الليلة بترويج من آلة الدعاية المهولة والتى تجنى من وراء هذا الاحتفال ملايين بل مليارات الأموال والناس كالزومبى يحتفل مع المحتفلين فى أى مكان وأى زمان لمجرد الإحتفال دون معرفة الأسباب أو حتى طقوس الاحتفال التى لا أعرفها حتى الآن، وما زلت أسأل: ماذا ستفعل فى ليلة رأس السنة؟ وأين ستقضى ليلة رأس السنة؟ فهل هناك مكان أو مقام لرأس السنة نذهب إليه ؟

منذ قديم الزمان ونحن نجد أنه عندما يظهر شخص يطبل ويزمر ويغنى يلتف الناس حوله يصفقون ويرقصون ربما يكون الناس فى حاجة إلى الفرح دائما أو إلى الخروج عن المألوف هذا كل ما فى الأمر وهذا ما يستغله المستغلون .

ونكمل فى يوم آخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء .

اقرأ ايضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى