رفعت رشاد يكتب: عيد الجلاء

بيان

ذكرى عزيزة على قلوب الأجيال التى عاشتها، أو بحكم العمر كانت قريبة منها زمنيا، مرت ولم ننتبه لها، يوم 13 من الشهر الجارى يونيو، شهر الانتصارات والانكسارات، وفى هذا المقال يستعيد الكاتب الكبير رفعت رشاد المناسبة. عيد الجلاء، وفى سطور قليلة يستعرض ظرف الزمان والمكان الذى دار حوله الحدث، مقال شارح مستفز للمشاعر الوطنية، محفز للتحدى، فالاستعمار مازال موجودا، ولكن فقط اختلفت أساليب غزوه.. طالع الآتى:

مرت منذ أيام الذكرى السابعة والستون لجلاء القوات البريطانية عن مصر. غادر آخر جندى بريطانى بورسعيد فى الساعة الواحدة تقريباً يوم 13 يونيو 1956. فى 18 يونيو 1956 رفع الرئيس جمال عبدالناصر العلم المصرى على مبنى الحرية فى بورسعيد معلناً إنهاء الاحتلال الذى استمر ما يقرب من 74 عاماً.

كنت أشاهد ما أذاعته القنوات التليفزيونية بمناسبة عيد الجلاء، ورغم مرور عقود طويلة إلا أن الشعور الوطنى ما زال مؤثراً، وشعرت بالفخر أن بلادى استطاعت بعد كفاح طويل أن تتخلص من الاستعمار كما وعدت ثورة يوليو.

كان يوم الجلاء تتويجاً لكفاح بدأه الشعب المصرى مبكراً منذ أن حارب أحمد عرابى الإنجليز وهزمته الخيانة وتكالب الخديوى ورموز الفساد والتبعية فى ذلك الوقت، وبعد ذلك كان مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول، حمل كل منهم شعلة الحركة الوطنية لجلاء الإنجليز، لكن لم يتسنَّ لهم أن يجبروا القوات البريطانية على الجلاء.

ولم تهدأ الحركة الوطنية يوماً، فقامت ثورة 1919، وفى عام 1922 انتهت الحماية البريطانية على مصر، وتم إصدار دستور 1923 وانعقاد أول برلمان بناء على الدستور وتشكيل أول حكومة مصرية خالصة رأسها سعد زغلول.

وفى عام 1936 عُقدت المعاهدة الثنائية الشهيرة بين مصر وبريطانيا والتى تنص على جلاء القوات العسكرية الإنجليزية إلى مناطق خارج القاهرة وأن تتمركز فى منطقة مدن القناة مع تحديد حجم قواتها، لكن بريطانيا لم تلتزم ببنود المعاهدة.

وتصاعدت الحركة الوطنية فى عامى 1945 و1946 تطالب بإعادة النظر فى معاهدة 1936، وأمام الضغط سلمت بريطانيا القلعة لمصر وقام الملك فاروق برفع العلم المصرى عليها، وتم تعديل الدستور لتأكيد تمسك مصر بالسودان دولة واحدة وإعلان فاروق ملكاً لمصر والسودان.

وفى عام 1947 قطعت مصر مفاوضاتها مع بريطانيا وعرضت قضيتها على مجلس الأمن الدولى.

واشتعل الكفاح المسلح للحركة الوطنية فى عامى 1950 و1951، وكان تأثر الحركة الوطنية واضحاً بربط ذاك الكفاح بقضية فلسطين ونمو الوعى بالعروبة.

وتحت الضغط الشعبى ونمو الحركة الوطنية ألغت الحكومة المصرية معاهدة 1936، وقال مصطفى النحاس رئيس الوزراء: بيدى وقعت المعاهدة وبيدى ألغيها.

وكان ذلك إيذاناً بتصعيد الكفاح المسلح فى منطقة القناة الموجود بها معسكرات الجيش الإنجليزى، وانتشرت عمليات ضرب تلك المعسكرات واستهداف الجنود، مما أثار الفزع فى بريطانيا.

كانت دار المندوب السامى البريطانى فى مصر مقراً بريطانياً يحكم من خلاله المندوب السامى مصر بقبضة قوية من خلال ما سماه الإنجليز التوازن فى حكم مصر، حيث يسيطرون على الملك والقصر ويتلاعبون بالأحزاب فيقيلونها وقتما يشاءون عندما يجدون تصاعداً فى الحركة الوطنية، وبذلك تكون الساحة تحت سيطرتهم دائماً.

لكن بعدما قامت ثورة يوليو التى كان من أهدافها القضاء على الاستعمار والإقطاع، وهو ما يعنى فى الأساس جلاء الإنجليز، دعمت الثورة الكفاح المسلح وأمدت الفدائيين بالسلاح والخطط التنظيمية وساعدتهم بالخبرة العسكرية، فأدركت بريطانيا أن استمرار البقاء فى مصر لم يعد أمر سهلاً، وطلبت من رعاياها مغادرة مصر، وحتى تشرشل، الأسد البريطانى العجوز، وكان رئيس وزراء بريطانيا وقتها، أدرك ذلك ولم يقاوم الإرادة المصرية.

إن كفاح الشعب المصرى لم يفتر لمدة، وإنما كان عبارة عن حلقات متواصلة.

وعندما استقر الحكم للثورة ضغط جمال عبدالناصر لإجلاء الاستعمار، وكان البديل دخول الجيش المصرى بقادته الجدد حرباً صريحة مع 80 ألف جندى بريطانى فى مصر، وهو ما أدركه ساسة بريطانيا، حيث سيكون هؤلاء الجنود بين فكى كماشة الجيش والشعب.

وكان الجلاء الذى هو يومٌ وعيدٌ من أنصع أيامنا وأعيادنا الوطنية.

اقرأ أيضا للكاتب:

رفعت رشاد يكتب: عباقرة في كل زمان

رفعت رشاد يكتب: قوة إسماعيل ياسين

زر الذهاب إلى الأعلى