البرنامج الصاروخي الإيراني السوري.. على رأس أولويات الاستهداف الإسرائيلى

 

 

 

تقرير: أشرف التهامي

تركز إسرائيل في استهدافها لإيران على الساحة السورية وذلك لأنها الأقل تكلفة وهي المساحة التي لن تحوِّل هذه المواجهات غير المباشرة إلى مواجهة كلاسيكية مفتوحة تبدو إسرائيل غير قادرة على خوضها حاليًّا، بينما تعتبر إيران سوريا عمقًا إستراتيجيًّا ومساحة لتحقيق الردع المتقدم؛ وعليه فهي تبني قواعد متقدمة لها في سوريا وتحاول تعزيز أنظمة الدفاع الجوي وإحداث مراكز لتصنيع الطائرات المسيرة. بناء على جميع ما تقدم، فإن المواجهة ستستمر بين الطرفين كما أن خيار التحول إلى المواجهة المباشرة قائم وقد يكون نتيجة لسوء حسابات أو ردود عسكرية غير مدروسة أو مفرطة.
عبر تتبع الضربات الإسرائيلية الأخيرة في سوريا يلاحظ التركيز على مواقع ومستودعات أسلحة تستخدمها إيران في العمق السوري, وثلث الضربات الإسرائيلية هذا العام استهدفت محيط دمشق منها مواقع تستهدف لأول مرة., و تشير المعطيات إلى أن البرنامج الصاروخي الإيراني السوري في سوريا على رأس أولويات إسرائيل.

داخل العمق السورى

فبغض النظر عن التوترات الأميركية الإيرانية الروسية التي تأخذ منحى تصاعدياً إعلامياً في الغالب شرقي سوريا منذ أكثر من شهر تقريباً، تبدو الصورة أكثر وضوحاً وحسماً مع استمرار العمليات الجوية ضد مواقع دخلت حديثاً قائمة الاهتمامات الإسرائيلية داخل العمق السوري.
ومع ضربات جوية رمزية “محدودة” نفذت في الثلث الأول من العام الجاري باستخدام مسيرات مجهولة أو قصف مدفعي نقطي ضد حمولات مشبوهة في البوكمال، المعبر الذي تسيطر عليه إيران، أقصى الشرق أو ضد نقاط التماس في أقصى نقاط الجبهة الجنوبية.

وفي ظل تراجع الاهتمام الإسرائيلي بموانئ إيران الجوية في مطاري دمشق وحلب منذ نهاية أبريل الماضي، يظهر أن التركيز الإسرائيلي ينصب في مجمله على ملاحقة شحنات الصواريخ الدقيقة والمسيرات وتدمير مراكز إنتاجها وتطويرها، ومستودعاتها الاستراتيجية في وسط سوريا وجنوب وغرب العاصمة دمشق.

“المعركة بين الحروب”

وفي ظل الإقرار الإسرائيلي أن ما تسمى “المعركة بين الحروب” ساهمت في تعطيل أو تأخير بعض المشاريع مؤقتاً دون أن توقف الطموحات الإيرانية في سوريا، تبدو المعالجة الإسرائيلية الجديدة للخطر المتزايد للبرنامج الصاروخي الإيراني – السوري تأخذ أبعاداً جراحية جدية نحو داخل العمق السوري في قلب الدفاعات الحصينة في مصياف وجمرايا وعلى طول الممر الإيراني للإمداد البري غربي دمشق، بعيداً عن الموانئ البرية والجوية ونقاط التماس في الجنوب.

في صباح يوم الثلاثاء 15 أغسطس، وقعت انفجارات عنيفة “غامضة” استمرت، بحسب مصادر محلية، لساعة كاملة في مستودعات ذخيرة تتبع للواء 81 التابع للفرقة الثالثة حول مدينة الرحيبة في منطقة القلمون الشرقي.

الانفجارات كانت كبيرة وواسعة النطاق لدرجة دفعت قائد اللواء لإطلاق نداء استغاثة للأهالي المحليين لطلب المساعدة وجلب صهاريج المياه إلى بوابة اللواء لإطفاء الحرائق.

وبحسب مصدر عسكري سوري منشق تحدث لموقع “تلفزيون سوريا” المعارض، يمتد اللواء الضخم 81 دبابات على مثلث واسع بين المعضمية والرحيبة والضمير، ويعتبر هذا اللواء من أقوى ألوية الجيش السوري المحصنة والمجهزة بأحدث المعدات والعتاد الحربي.

قبل ذلك بيومين أيضاً، وقعت انفجارات ضخمة مماثلة في سلسلة مستودعات استراتيجية مترامية الأطراف (ظهر السلسلة) تتبع للفرقة الرابعة بالقرب من مشروع دمر غربي العاصمة دمشق في ساعات الصباح الباكر من يوم الأحد الماضي.

مصادر تتبع للجيش السوري صرحت أن الانفجارين السابقين كانا نتيجة ارتفاع درجات الحرارة والظروف الجوية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، لكن هذه الرواية تبدو ركيكة أمام حقيقة أن الانفجارين الغامضين السابقين وقعا في ساعات الصباح الباكر حيث درجات الحرارة منخفضة، بالإضافة إلى أن مستودعات التخزين والذخيرة عادة ما تكون تحت الأرض ومعزولة تماماً حسب تعليقات المعارضة.

اقرأ أيضا:

تقرير أمريكي يعلن فشل عملية «العزم الصلب» فى سوريا والعراق

وفي ظل عدم وجود أنباء عن وجود غارات إسرائيلية في الموقعين المذكورين وعدم تفعيل أنظمة الدفاع الجوية في المناطق المحيطة، يرجح المصدر العسكري السوري المنشق أن الاستهدافات قد تكون ناتجة عن عمليات تخريبية.

في الحقيقة، لا يمكن استبعاد أن العمليات الأمنية دخيلة في هذه الأحداث، خاصة أن الداخل الإيراني بمواقعه ومناصبه الحساسة لم يكن محصناً منها خلال العام الماضي.

الغارات وصور الأقمار الصناعية

في 4 أبريل الماضي، استهدفت غارات إسرائيلية موقعاً قرب مدينة الكسوة في ريف دمشق يعتقد أنه مصنع مدني يستخدم إيرانياً لأغراض عسكرية.

وأشارت صور الأقمار الصناعية إلى أن الموقع المستهدف عبارة عن بناء حديث تم الانتهاء منه بين 8 و17 اغسطس 2022.
يذكر أن منطقة الكسوة ومحيطها منطقة غزيرة بالاستهدافات الإسرائيلية، إلا أن هذه النقطة بالتحديد لم يطلها القصف الإسرائيلي منذ عام 2013.

على نفس المقياس، طالت غارات إسرائيلية جديدة في منتصف يونيو الماضي موقعاً فريداً آخر يحتوي على وحدة تخزين ذخيرة، وهو مخبأ تابع للواء 75 دفاع جوي على ظهر تل كريم قرب الكسوة.

وفي ذات السياق، سجلت الغارات الإسرائيلية مطلع شهر يوليو الماضي موقعين في ريف حمص وسط سوريا. وبحسب صور الأقمار الصناعية، طالت الغارات موقع (مستودعات أسلحة مؤقتة) في قرية النجمة في ريف حمص الشمالي، وموقع آخر قرب قرية مسكنة.

بعد أربعة أيام من غارة وسط سوريا، اعترفت وكالة أنباء تسنيم، الإيرانية شبه الرسمية، بمقتل المدعو مهدي أكبر بور روشن بالغارات الإسرائيلية بعد تعرضه لإصابات خطيرة.

بالنظر لعمر مهدي أكبر بور ووصفه بالمستشار العسكري الذي عمل لسنوات في سوريا من قبل المواقع الإيرانية، من المرجح أن القتيل ضابط (عقيد أو عميد) رفيع في الحرس الثوري.

وفي 19 يوليو الماضي، هاجمت الطائرات الإسرائيلية لأول مرة مستودعات عسكرية قرب مطار الديماس الشراعي (ضاحية قدسيا).

ودمرت غارة جوية إسرائيلية في 7 أغسطس الجاري بشكل غير مسبوق مبنى في قاعدة تخزين للذخيرة بين صيدنايا ومنين (مستودعات منين).

مواقع تستهدف لأول مرة

النقطة المهمة التي ترتبط بها جميع الاستهدافات السابقة، بالإضافة للانفجارين الغامضين الأخيرين في مستودعات استراتيجية للصواريخ والمسيرات قرب مشروع دمر والرحيبة، أنها تطول مواقع تستهدف للمرة الأولى بالتزامن مع ما يمكننا وصفه بالتحرك الإيراني لإعادة التموضع الصاروخي ضمن مناطق العمليات وعلى طول الممر الإيراني للإمداد البري غربي العاصمة دمشق.

تقرير إسرائيلى

وبحسب دراسة صدرت حديثاً عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أشار المعهد إلى أن ترسانة الجيش السوري تضم مئات الصواريخ (الرقم الدقيق غير معروف) بالإضافة إلى الطائرات المسيرة.
ويقول التقرير الإسرائيلي إن برنامج الأسلحة الكيماوية السوري ما يزال قائماً. كما تحتفظ دمشق بمخزون من اليورانيوم (ربما 50 كيلوغراماً)، وقد يحفز الجهود لامتلاك أسلحة نووية.
وأوضح التقرير أن سوريا لا تزال لا تشكل تهديداً استراتيجياً فورياً، لكن يجب على إسرائيل وضع خطوط حمراء لمنع التهديد الناشئ (التركيز على الصواريخ عالية الدقة)، ووضع خطة عمل لتحييد الأسلحة السورية المتقدمة.
وفي دراسة حديثة أخرى، أعرب مركز ألما الإسرائيلي عن مخاوفه من استخدام حزب الله للصواريخ المسلحة بأسلحة كيميائية (مثل غاز السارين)، والتي يتم تطويرها وتخزينها في مستودعات البحوث العلمية السورية في المواجهة القادمة مع إسرائيل، بعد أن سيطرت إيران على المناصب الرئيسية والبنية التحتية في الجيش السوري وصناعة الدفاع.
بحسب الإحصائيات شكلت الغارات الإسرائيلية المنفذة ضد مواقع التطوير والإنتاج والتخزين التابعة للبحوث العلمية في مصياف وجمرايا ومستودعاتها الاستراتيجية والمؤقتة في الكسوة وريف دمشق الغربي ووسط سوريا قرابة ثلث الغارات الإسرائيلية المنفذة منذ بداية العام الجاري 2023.
وفي حين تتوسع قائمة الأهداف الإسرائيلية على طول الجغرافيا السورية، يشير النهج الإسرائيلي الجديد هذا العام إلى وجود نوايا اسرائيلية بتدمير البرنامج الصاروخي الإيراني السوري أو تقليص مخزوناته إلى الحد الأكبر الممكن تحسباً لوصوله إلى حزب الله واستخدامه في أي حرب مستقبلية محتملة.

زر الذهاب إلى الأعلى