أسماء خليل تكتب: التسويف والحياة

بيان

كم من فرصٍ وآمالٍ ضاعت بسبب“ التسويف”؛ وهو أن تظل تؤجل ما ستقوم به أو تخطط له، وتقول محدثًا نفسك“ حينما تسنح الفرصة سأفعل”.

إذا تأملت جيدًا سترى أن التسويف قد يقترن بعدم الرضا بالواقع؛ لأن المُتسوف يعقد تحقق الآمال على تحسن الواقع، وهذا ما يجعل البعض لا يفعل أي شيء.

إذا رضيت بالحال بالتزامن مع الأحلام؛ فستجد أن الكم الذي يمكن إنجازه أكبر، فكم من أناسٍ ضيعوا المتعة الحقيقية بالواقع ارتكازًا على إمكانية تحقيق الأحلام يومًا ما.

“هلك المتسوفون”، صدق الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم – فبحقٍ المتسوفون هم الأسوأ حالًا؛ لأن وضعهم كمن رقص على السلالم، لا رآهم الصاعد ولا شاهدهم الداني.

هناك خطة بديلة تجعل المرء بعيدًا عن شراك التسويف؛ وهو أن يرضى أولا بما لديه من النعم، ويستمع بها بصيانتها الدائمة ومحاولة تحسينها، وفي نفس الوقت يخطط.. ينظم ما ينتوي فعله ويسعى لذلك، الأهم أن يبدأ.

لم يخلق الله- سبحانه وتعالى – الكون في يومٍ واحد؛ فلماذا يريد الإنسان بإمكانياته البسيطة أن يفعل كل شيء في أيام قليلة ؟!..لذلك فعلى كل إنسان أن يعي جيدًا الهدف من النهي النبوي بالهلاك، وطالما أن الكلام على لسان نبي فهو محقق.

على كل من يرى في نفسه أنه يطبق مفهوم التسويف في حياته، أن يبحث عن أسبابه، فالأسباب متعددة؛ فقد يكون سبب فسيولوجي، ناتج من تركيب القشرة المخية نفسها، ما يجعلها غير قادرة على إكمال عمليات التنظيم والتخطيط والتنفيذ للأفكار بشكل جيد.

وللخوف من الفعل نفسه أو رد الفعل تجاه نتائجه أحد الأسباب، وكذلك التردد والقلق الملازم لشخصية البعض دافعًا لهذا التسويف، وكذلك عدم الثقة في النفس، والتقليل من قيمة المرء لذاته، فلا يقدرها ويقلل من شأنه ولا يعطيها التقدير الأمثل، ويؤمن من داخله أنه حتمًا سيفشل.

ويشكل الكسل أحد أسباب التسويف، ما يجعل الشخص يؤجل تنفيذ خططه وأعماله خوفًا من المواجهة، فالكسل مرتبط بضعف الهمة والطموح.

كذلك البعد عن الواقع وتحميل النفس أكثر من طاقتها، يجعل المرء يؤجل ويسوِّف، لأنه يحمِّل نفسه الكثير، للجسور الطويلة التي يبنيها بينه وبين أحلامه، فيعتقد أنه مهما يفعل لن يصل، فيتوقف تمًامًا.

ولكن هناك فرق بين التسويف والتريث؛ إذ أن الأشخاص المتريثين يمتلكون الحكمة في اتخاذ قراراتهم، فيمتلكون وقتهم كي يصدروا قرارات منضبطة، وهذا التصرف مُبرر، على عكس التسويف الغير مبني على أسس واضحة، ويجعل صاحبه تائهًا في بحور الحياة.

حينما تعرف قدراتك جيدًا، وترضى بالمـتاح تزامنًا مع امتلاك أحلام تتناسب مع إمكانيتك، في ذلك الوقت لن تؤجل ما ستفعله بشكل غير مبرر..لا تقارن نفسك بالآخرين وما وصلوا إليه بشكل سلبي، ولكن اجعل ما قاموا به دافعًا لك نحو التقدم، فلا تيأس من فشلك مرة، واعتقادك أنك لن تكون مثلهم، بل حاول.. ولكن الآن.. ولا تظل قائلًا غدا سأفعل، فربما يأتي غدًا وأنت قد تراجعت عن محلك.

اقرأ أيضا للكاتبة:

أسماء خليل تكتب: زمن الهوانم

أسماء خليل تكتب: زواج بلا شريك

زر الذهاب إلى الأعلى