تاريخ أغفله التاريخ: حرب الأيام الأربعة فى لبنان 1972

أحمد أبو بيبرس

سردية يكتبها: أحمد أبوبيبرس

مقدمة :

يعشق العرب البكاء على الأطلال يتناسون الإنتصارات والبطولات التى حققوها على الكيان الصهيونى على مدار خمسون عاما ويتلذذون بالبكاء على ماجرى فى حرب 1967 إلى الأن ويعتبرونها نهاية التاريخ فى حالة (ماسوشية نفسية ) غريبة.

والماسوشية هى حب تعذيب الذات وجلدها باستمرار ، مع أنهم حققوا إنتصارات عديدة على إسرائيل فيما بعد خلال حرب الإستنزاف على الجبهة المصرية وحرب أكتوبر 73 وحروب الإستنزاف الأخرى الطويلة ضد إسرائيل خلال حقبة الثمانينات والتسعينيات وحتى الآن تقوم المقاومة الفلسطينية بوصل الماضى العربى بالحاضر والثأر للكرامة العربية منذ 7 أكتوبر الماضى كما نعلم كلنا.

حرب الأيام الأربعة

(حرب الأيام الأربعة) فى لبنان إصطلاح تم نحته ليكون فى مقابلة إصطلاح حرب الأيام الستة التى اطلقه العدو على عدوانه الغادر فى 5 يونيو 1967.

حرب الأيام الأربعة إنتصار عسكرى عربى . أى نعم هو إنتصار صغير لكنه مسكوت عنه أغفله التاريخ رغم أنه ثانى إنتصارعربى على العدو الإسرائيلى بعد إنتصار معركة الكرامة التى دارت على الحدود الأردنية الفلسطينية المحتلة يوم 21 مارس 1968 بين المقاومة الفلسطينية والقوات الأردنية المشتركة ضد العدو الصهيونى.

فتشت عن تلك المعركة المطوية المنسية طويلا حتى وجدت لها ذكراً فى الكتيب الصغير المنشورة صورته الصادر عن حركة فتح الفلسطينية مشروحة بالتفصيل أما باقى الوثائق والمصادر التاريخية الأخرى فقد أمسكت عن ذكر سرد تلك المعركة التى اندلعت على مدار أربعة أيام من 25 إلى 29 فبراير 1972 بين العدو الإسرائيلى المعتدى والمقاومة الفلسطينية، ولم تذكرها إلا ضمن سرديات العدوان الإسرائيلى على لبنان دون ذكر دور منظمة فتح فى التصدى الباسل لهذا العدوان.
إن حركة المقاومة العربية ضد الوجود الصهيونى لم تتوقف فى فلسطين المحتلة من بعد 1967 سواء على الجبهة المصرية فى سيناء أو خارج سيناء على الجبهات الأخرى فى لبنان والأردن بواسطة الإخوة الفلسطينيين.

تعرضت المستعمرات الإسرائيلية فى شمال إسرائيل لعشرات الهجمات الفلسطينية من الحدود اللبنانية ورد العدو بعمليات إنتقامية ضد القرى اللبنانية بالقصف الجوى والمدفعى وإرتكاب المذابح وهدم البيوت وتهجير السكان …إلخ إلخ كما هى سياسة العدو الإسرائيلى الثابتة حيال العرب التى لم تتغير منذ عام 1948 حتى الأن .

ورغم كل هذه السنوات لم ينجح العدو حتى وقتنا الراهن فى تأمين مستعمراته اللعينة من ناحية الحدود اللبنانية رغم عشرات العمليات العسكرية الى تمت وإجتياحات لا نهاية لها أعوام 1978 و 1982 و 1993 وما بعده حتى 2006 ضد لبنان .

يكفى أن تعلم أنه منذ عان 1968 إلى عام 1974 فقط إستشهد 900 مواطن مدنى لبنانى نتيجة الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان وخلال الإجتياح الإسرائيلى للبنان عام 1982 سقط عشرون ألف مواطن لبنانى معنى ذلك أن لبنان البلد العربى المسالم جدا قدم عدد أكبر من الشهداء العرب من بعد أعداد شهداء الشعب الفلسطينى مباشرة.

ذريعة العدوان الإسرائيلى على الجنوب اللبنانى :
قبل ساعات قليلة على بدء العدوان مباشرة عقد رئيس أركان حرب الجيش الصهيونى الجنرال ديفيد إليعازر مؤتمراً صحفياً ندد فيه بمقتل رجل وزوجته أثر نسف سيارتهما بصاروخ “أر بى جى” فلسطينى مضاد للدبابات بالقرب من مستعمرة نهاريا وتحدث عن كثرة العمليات الفدائية الفلسطينية بمعدل 13 عملية عسكرية كل أسبوعين، وأن جيشه لن يقف مكتوف الأيدى وراح يرغى ويزبد ويهدد ويتوعد ….
الأهداف الإسرائيلية لشن العدوان :
1 ـ إجبار الأهالى والحكومة فى لبنان على إتخاذ موقف صارم ضد المقاومة الفلسطينية مماثل للموقف الذى إتخذته الحكومة الأردنية فى أيلول الأسود 1970
2 ـ تصفية قواعد المقاومة الفلسطينية فى جنوب لبنان
3 ـ عمل منطقة عازلة داخل الحدود اللبنانية لمنع عمليات المقاومة الفلسطينية ضد مستعمرات ومواقع شمال فلسطين المحتلة

سبق العدوان الإسرائيلى المذكور سلسلة من الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان من بعد عدوان 1967 رغم أن لبنان رسميا ليس فى حالة حرب معلنة مع الكيان الصهيونى أخطرها مهاجمة مطار بيروت فى نهاية عام 1968 بقوة كوماندوز إسرائيلية قامت بتدمير 13 طائرة مدنية

تاريخ بدء العدوان صباح يوم 25 فبراير 1972
نهاية القتال 29 فبراير 1972
4 أيام + 100 ساعة

الجانب الفلسطينى المقاوم : 
تكونت المقاومة الفلسطينية أساسا من قوات جبهة فتح الفلسطينية ومعهم بعض القوات الرديفة العربية الأخرى من بعض شرفاء الجيش الأردنى الذين إنضموا إلى المقاومة بالمخالفة لموقف نظامهم من المقاومة وعدد آخرمن المقاتلين الليبيين وافق مجلس قيادة الثورة الليبى برئاسة العقيد معمر القذافى رحمة الله عليه على إرسالهم من ليبيا دعماً للقضية الفلسطينية

قوات العدو الإسرائيلى : 
وقد حشد العدو أعدادا كبيرة من قواته على محاور القتال الثلاثة بلغت لواءا مدرعاً كاملاً وكتيبة مدرعة أخرى وسرية مدرعة مساندة وكتيبة مدفعية ميدانية ومعها بطاريات مدفعية هاوتزرثقيلة من عيار 155 ملم ذاتية الحركة (محمولة على مجنزرات) وبطاريات صاروخية وكتيبة قوات خاصة ( كوماندوز إسرائيلى ) يظلل كل هذه القوات غطاء جوى كثيف مكون من حوالى 100 مقاتلة حربية من طراز الفانتوم والسكاى هوك والميراج.

صباح يوم 25 فبراير 1972 شنت القوات الإسرائيلية عدوانها الغادر على الجنوب اللبنانى عبر 3 محاور فى جنوب لبنان بمساحة 100 كيلو متر مربع.
1 ـ محور بنت جبيل ـ عيناتا
2 – محور العرقوب ـ الأوسط للوصول إلى قرية هيبارية لتطويق القوات الموجودة فى راشيا الفخام وكفر حمام
3 – محور بنطا ـ دير العشائر

سير المعركة
دار قتال رهيب على المحاور المذكورة وتصدت الفصائل الفلسطينية بشجاعة منقطعة النظير لثقل الهجوم الصهيونى الذى يعتبر أضخم هجوم شنه العدو على جبهة عربية منذ عدوان 5 يونيو 1967 ويعتبر محور بنطا / دير العشائر هو أكبر محور تعرض للغارات الجوية الإسرائيلية.

وقد اتسم قتال قوات المقاومة الفلسطينية العام على جميع محاور القتال ببراعة إستخدام الأسلحة الرشاشة الخفيفة المتوسطة ومدافع الهاون وصواريخ الأربى جى المضادة للدبابات والألغام المزروعة وحتى بعض قطع المدفعية المضادة للطائرات والمدافع عديمة الإرتداد.
كان الهجوم الإسرائيلى شاملاً وشرساً فى كافة المناطق التى تواجد فيها الفدائيون الفلسطينيون لكن يقظة المقاومة وخفة حركتهم وقيامهم بالمناورة وتغيير المواقع ساعدت على صد الهجوم وإيقاع خسائر كبيرة فى صفوف العدو قللت إلى حد كبير من الإصابات فى صفوف الفدائيين ومكنتهم من المناورة والمررونة فى الحركة ومن الإلتفاف خلف القوات الإسرائيلية فى منطقة العرقوب حيث دمروا جرافات كانت تعمل على شق طرقات للعدو وهدم منازل فى القرى التى دخلتها القوات الإسرائيلية.

وفى النهاية إرتد العدو خاسئاً وهو حسير وهو يلعق جراح هزيمته رغم الإنتهاكات التى إرتكبها ضد الأهالى المدنيين فى المنطقة.

خسائر العدو الإسرائيلى:
13 آلية ما بين دبابة ومدرعة
2 طائرة سكاى هوك و فانتوم ( إعترف العدو بسقوط إحداهما )
130 جندى قتيل وجريح

خسائر المقاومة الفلسطينية:
47 شهيد + 64 جريح وإستشهاد 5 مقاتلين ليبيين.
وبذلك سطرت المقاومة العربية الفلسطينية إنتصارا عسكريا جديدا على إسرائيل أغفله التاريخ فلم تتمكن إسرائيل من كسر شوكة المقاومة ولم تنال غرضها منها وأثبتت المقاومة أنها رقما ثابتا فى المعادلة لا يمكن محوه على مر الزمان .

اقرأ فى هذه السلسة:

زر الذهاب إلى الأعلى