عاطف عبد الغنى يكتب: الإتجار فى بيض الإناث

فى العالم الذى يطلقون عليه “المتقدم”.. مثلا الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبعض أوروبا.. أصبحت عملية تأجيرالأرحام التى يطلقون فيها من باب التمويه والتجميل، على المؤجرة رحمها (الأم البديلة)؛ تجارة شائعة.

لم يعد الأمر بالشىء الغريب ولا المستهجن، أو يحدث فى الخفاء، أو سمسرة فيها شبهة، ولكن كعادتهم فى هذه البلاد التى يطلقون عليها “متقدمة” أصبح الأمر معلنا ومقنن، ويتم التعامل عليه مثل أى سلعة أو خدمة بالبيع والشراء، بل وأضفت عليه الآلة الدعائية للتجار، هالة من النبل الإنسانى الخادع.

ودون النظر لأى اعتبارات أخرى، وخاصة الاعتبارات الدينية، تكاد تنحصر شواغل أطراف عملية البيع والشراء، والوسطاء، والمهتمين بالموضوع فى المسائل والحقوق المالية التى يتشارك فيها 3 أطراف رئيسية هى: طرف أول الزوج أو طالب الإنجاب، والثانى الزوجة أو صاحبة البويضة التى لاتستطيع الحمل والولادة، والثالث الوكيلة التى تؤجر رحمها لاستقبال البويضة المخصبة (من نطفة الطرف الأول) وتستكمل بالوكالة عن الطرف الثانى رحلة الحمل والولادة، ثم تسلم المولود، للطرفين الأول والثانى، وتنقطع علاقتها به تماما، بعد أن تحصل على حقوقها المادية المتفق عليها مع الطرفين الأول والثانى.

ورواج الخدمة أوجد لها وسطاء تمثل هؤلاء الوسطاء فى كيانات تجارية أصبحت متخصصة فى الصنف، ومن الواضح أنها لم تعد محدودة أو حجمها صغير.

وتتداول المواقع الأليكترونية والمدونات الدعائية المتخصصة، الشواغل والأسئلة الشائعة التى تدور برأس الأطراف الرئيسية فى صفقات تأجير الأرحام، ومنها مدونة متخصصة فى الترويج والدعاية والوساطة فى هذه التجارة، وترجمة عنوانها: “مفاهيم غير مألوفة” وتطرح أسئلة وتجيب عليها مثل: هل يكون لوكيلة الحمل التى أجرّت رحمها علاقة وراثية بالطفل الذي حملته وأنجبته؟!.. وماذا إذا كانت متبرعة، لم تحصل على تعويض (هكذا يسألون).. وتأتيهم الإجابة من متخصصين كالتالى: “في ولايات كثيرة من الولايات المتحدة، لا يسمح القانون أن تكون لوكيلات الحمل علاقة وراثية بالطفل الذي حملته، ويعتبر تأجير الأرحام التجاري (أو التعويضي) قانونيًا، وفي هذه الحالات تتلقى الوكيلات مبلغًا ماليًا من الوالدين المقصودين.

وفي كندا، يعتبر تأجير الأرحام الإيثاري (التبرع) فقط هو القانونى، وهناك صندوق ائتمان خاص بالموضوع.

وما سبق يعنى أن النساء بديلات الحمل لن تحصلن على تعويض، لكن يتم تسديد جميع نفقاتهن المتعلقة بالحمل (مثل أجور الوظائف التى تعطلن عنها أو البقالة أو تكاليف السفر)، وسيحصلن أيضًا (المتبرعات باستقبال الحمل والولادة) على ما يسمى بـ “حزمة التعافى” لمساعدتهن على الاستعداد للحمل.

.. لم يعد سؤال الحلال والحرام محل اهتمام، ولا شاغل للفضوليين من رجل النطفة وامرأة البويضة، وامرأة الرحم البديل، في عملية صناعية للتلقيح، قد تتغير فيها الأنساب، وتختلط، ولكنها فقط الكلفة، ويحدث هذا في عالم لا يعرف من أمر الغيب إلا البحث فى النجوم والطالع وكلام السحرة وإشارات الكرة البللورية، وإذا قلت له سيد الكون قال لك بل الإنسان هو سيد الكون ولا سيد غيره.

ولم يقف الأمر عند حد تأجير الأرحام، بل تجاوز إلى الإتجار فى بويضات النساء لأجل الإنجاب، وعلى ذات المدونة سالفة الذكر تطرح أيضا الأسئلة الشائعه الخاصة بالتعامل على “البويضات” مثل: هل التبرع بالبويضات مؤلم جسديا؟ .. أو ما هى خطوات فحص المتبرعات بالبويضات؟.. أو كيفية الوصول إلى متبرعة ببويضاتها ؟!.. إلى آخره !!
وبالطبع تأتى الإجابة مطمئنة ومحفزة ومؤكدة – حسب ما هو مذكور – لشخص لا يتزوج على الفطرة ولا ينجب لأنه مثليا، أو امرأة لا ترغب فى تحمل مشقة الحمل والولادة، أن اختيارهم لشراء بويضة “قرار طويل الأمد يؤثر عليك وعلى حياة أطفالك في المستقبل”.

وتمضى الشركة التى تتاجر فى بويضات الإناث، تروّج لشغلها فتقول: “هذا هو السبب في أن معظم العائلات تختار العمل مع الوكالات المانحة للبيض لاتخاذ هذا القرار، حيث تمتلك وكالات الخصوبة مثل وكالاتنا جميع الموارد التي تحتاجها الأسرة لاختيار متبرعة بيض (أو صاحبة رحم بديلة) بعناية.. وتقدم شركة كذا، للعائلات، قاعدة بيانات المتبرعات بالبيض الحصرية للآباء المقصودين”.

ولا أعتقد أن أحد ممن يقرأ هذا الكلام يجهل رأى العقيدتين الإسلامية والمسيحية فى الموضوع برمته، لذا لا أرى داع للتطرق إليه، وقد أردت أن أوصل لكم ما آل إليه أمر هذا العالم الذى يدعى أنه متقدم ومتطور، وهو بالفعل متقدم إلى درجة أنه يقف الآن على حافة جهنم، حين يقضى تماما على مؤسسة الأسرة على الصورة التى أرادها الله سبحانه، وجعل منها الخلية الاجتماعية الأولى التى تأتلف لعمارة الكون، وما وضع لها الله سبحانه فى شريعته من عوامل حفظها عليها للحفاظ على الحياة نفسها، وصولا للفوز بالدنيا والآخرة.

أما هذه الشعوب والقائمين عليها الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم (وهذه قاعدة إلهية)، فتراهم يلمزون على شعوبنا أو شرائعنا أن المرأة ناقصة الحقوق، ولا يرون “الخشبة” التى فى عيونهم وقد حولوا المرأة إلى عبدة لشهواتهم، وأسقطوها فى الوحل، أو قل حضيض الإنسانية، حين أصبحت آلة للذة وسلعوا جسدها، وفى أحدث توظيف لجسدها جعلوه وعاءا ومفرخة نازعين عنها أعظم مشاعر الحياة وهى الأمومة وقد فرغوها من معناها.

اقرأ أيضا للكاتب:

عاطف عبد الغنى يكتب: ميسى بين العرب وإسرائيل

عاطف عبد الغنى يكتب: مقال قديم جديد يصلح لشهر يناير

زر الذهاب إلى الأعلى