أسماء خليل تكنب: مواطن من الدرجة الثانية

بيان

إذا أجريتَ نقاشا مع مجموعة من الشباب، محاولا رؤية ملامح المستقبل في عيونهم، مُستبشرًا بما سيقولون، ارتكازًا على أنهم الأمل المنشود ووقود الطاقة الإيجابية لكل عصر؛ ستجد نفسك مصدومًا من أفكارهم وما يطرحونه من آراء،،

إنهم لا يفكرون سوى “بالسفر خارج البلاد”، للارتقاء بالمستوى المعيشي من وجهة نظرهم، وإذا تعمقت أكثر بالمناقشة معهم حول مفهوم “المستوى المعيشي؛ تجد أن لديهم فكرًا خاصًا بجيلهم ،نظرا للتربية الخاطئة التي ارتكزت في الآونة الأخيرة حول “اللهث نحو المادة”،،

إنهم لا يعلمون شيئًا عن سُلَّم الحياة، الذي يبدؤه المرء من نقطة الصفر، مَن مِنْ هؤلاء الشباب سيقبل بما هو متاح من فرص للعمل في أي مجال، ثم يتدرج فيه نحو الارتقاء خطوة بخطوة، ثم بمرور الوقت ستأتي فرص أفضل وأفضل طالما المرء داخل السباق..مَنْ مِنْ هؤلاء الشباب والفتيات سيقبل أن يتزوج في شقة صغيرة وأثاث بسيط؟!.. إنهم يريدون مكانًا مجهزا به كل شيء، حتى إذا أحاطت بهم الديون وبكل عائلاتهم،،

إنهم سيتركون أزواجهم يعيشون بمفرهم، ليأتوا بعد سنوات مصدومين أن معظمهم قد تواصلوا مع شركاء جدد عبر وسائل التواصل وربما اتفقوا على الزواج بعد طلاق محقق من المهاجرين، إنهم سيتركون أولادهم ليأتوا بعد سنوات محاولين طمس الجفاء المتبادل وعدم فهم كلاهما للآخر ، إنهم سيبنون بيوتا لآبائهم ليأتوا بعد سنوات فيجدونهم سكنوا القبور،،

ماذا تعني الحياة بدون الرحلة إلى الوصول؟!..ماذا تعني الحياة بارتفاع المستوى المعيشي وانخفاض الروح المعنوية وربما الجسدية؟!..ماذا تعني الحياة بدون أحباء ورفقاء؟!..ماذا تعني الحياة بالوصول للهدف السريع دون اللعب بأرض الملعب؟!..

اسألوا السابقين عن مراحل الضعف الاقتصادي الذي كانت تمر به بلادهم، وليس ضعفا عاديا، بل نوع من المعاناة يصل بهم أن تتأذى أفواههم من كثرة تناول “العيش والملح”!!..سلوا السابقين عن فترات الحروب ..بل سلوا المواطنين بالدول الفقيرة والذين لا يملكون ثمنا لتذكرة سفر لأي دولة، حتى إن كانت لمجاهل إفريقيا، كيف يعيشون؟!..

إنهم يرتحلون عن أوطانهم من أجل المعيشة، ثم يذهبون لأماكن أخرى فيعيشون بلا وطن، إن ذلك المسافر إن مشى بشوارع ليست بوطنه لا يكن آمنًا، إن حدثت أي مشكلة خارج بلده لن يجد عائلته ووطنه الذي يحميه، سيعيش غريبا بلا مأوى،،

لن يذهب من مُخيلتي ذلك المشهد ما حييت، لصديقة مقربة لنا ورفيقة الدرب لي ولصديقة أخرى، جمعتنا الحياة لسنوات بفرحها وترحها، سافرت مع زوجها وعاشت قرابة عِقد من الزمن بأمريكا، وكلما تأتي لزيارتنا ونتجمع سويا، نراها باكية، نسألها ونحن في ذهول، هل يبكي من يعيش بأمريكا ويشكو من الغربة؟!..فسرعان ما ترد ..نعم أصبح لدينا أمول كثيرة ونعيش بشوارع أرضيتها تشبه الزجاج، وواجهات بيوتٍ تشبه البللور، نعم ارتدينا الحرير والقلائد الذهبية، لكننا لا نعيش بوطننا ..خائفين ..غير آمنين ..الماڤيا تحيط بالمدن..إننا نعيش حياةً بلا حياة..إننا خارج بلادنا مواطنون من الدرجة الثانية،،

رغم كل شيء، رغم ارتفاع الأسعار، وفرص العمل الأقل من الإمكانيات، وتأخر سن زواج الشباب، ولكن ما يزال الوطن هو المكان الذي يحضن أبنائه، وما تزال الاستقامة هي مصدر الرزق؛ لقول الحق سبحانه وتعالى “ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب”، تحمّل وطنك الذي تحملك لسنوات، وإذا أردت أن تتركه وضاقت بك الأرجاء بعد السعي، فلتذهب لعام أو عامين ثم ارجع لهؤلاء الذين لن يعوضهم غيابك مهما أحضرت لهم من أموال، لذلك لا تسافر إلا إلى وطنك الذي منحك لقب “ مواطن من الدرجة الأولى”؛ لتذهب لأي بقعة بالعالم، وأي مواطنين ذهبت لبلادهم لن تخلوا قلوبهم من الشعور بالعنصرية تجاهك، وحتما لن تجد خارج وطنك سوى لقب“ مواطن من الدرجة الثانية”.

اقرأ أيضا للكاتبة:

أسماء خليل تكتب: التنازل التدريجي

أسماء خليل تكتب: في منتصف الطريق

زر الذهاب إلى الأعلى