طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (16) توفيق الحكيم فاقد الوعى وناكر الجميل

بيان

لعب توفيق الحكيم دورا بارزا في حملة تشويه جمال عبد الناصر في سبعينيات القرن الغشرين الماضي ويعتبر كتابه “عودة الوعى” أحد المراجع الرئيسية التى يستعين بها أعداء عبدالناصر فى الهجوم عليه.
يسرد توفيق الحكيم قصة كتابه عودة الوعى بشكل لاتستسيغه عقلية طفل صغير كنا أن تاريخ توفيق الحكيم مع عبدالناصر يشهد بنبل وجميل عبدالناصر الذى تنكر له توفيق الحكيم.

…………………………………..
ولنبدأ أولا بكتاب عودة الوعى الذى ينسج فيه الحكيم رواية بالغة التعقيد والكذب والتضليل فيؤكد أنه لم يعقد العزم على نشر كتابه عودة الوعى وأنه بعد أكثر من عشرين عاما من قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ وتحديدا في عام ١٩٧٤ فكر الحكيم فى كتابة هذه الأوراق لنفسه ولاندرى لماذا الرقم ٢٠ فلا هو يوبيل ذهبى أو ماسى أو فضى لثورة يوليو ولكنه الرقم الذى اختاره الحكيم ليواكب الحملة الضارية التى كان قد بدأ ضجيجها يعلو لتشويه جمال عبد الناصر.
ويقسم الحكيم أنه كتب هذه المذكرات لنفسه وليس بغرض النشر وذكر مبررا ساذجا لذلك، يبرىء به ساحته وهو أن مذكراته تحوى مواقف مضادة للثورة ولعبدالناصر وأنه كان يجب أن يجاهر بهذه المواقف فى حياة عبدالناصر.
ولإنها ليست مذكرات للنشر فقد احتفظ بها الحكيم لنفسه فقط.
وهذا أكبر إثبات من الحكيم أنه لايمانع من نفاق عبدالناصر فى العلن على أن يقوم فى السر بنقده، والحجة أن المذكرات السرية لايتم نشرها.
ويذكر الحكيم أن مناسبة جمعته بصديق قديم يثق به ، وأطلعه على هذه المذكرات الشخصية السرية فطلب الصديق أن يستنسخ لنفسه نسخة من هذه المذكرات فسمح له توفيق الحكيم بإحضار آلة كاتبة ليكتب لنفسه نسخة عليها.
والمحطة التالية من محطات كذب توفيق الحكيم والتى وردت فى مقدمة بعنوان “كلمة” فى صفحة ١٣ من كتاب عودة الوعى هى محطة تسرب نسخة صديقه وتكاثرها وانتقالها من يد إلى يد.
ولم يخبرنا الحكيم كيف حدث كل ذلك؟ ولا رد فعله بعد اكتشاف تسرب النسخة ولا عتابه لصديقه ولا حتى سؤاله لصديقه عن الكيفية التى تسربت بها المذكرات.
المهم أن يصل بنا الحكيم إلى محطة تسرب النسخ فى الخفاء وتداولها بين الناس سرا.
أما الأمر المثير للسخرية فهو تأكيد الحكيم فى صفحة ١٤ من كتاب عودة الوعى على أنه لم يحفل كثيرا بما حدث من تسرب مذكراته لأن الأصل المكتوب بخط يده لايزال فى حوزته ولايوجد توقيع له على ماتسرب من النسخ.
ولم يذكر لنا الحكيم أى خبر نشرته الصحافة عن تسرب النسخ.
وينتقل بنا الحكيم إلى محطة جديدة يتوقف بها قليلا قطار أكاذيبه فيذكر أن مجلة فرنسية محترمة واكرر محترمة قامت بنشر ترجمة غير كاملة للنسخ التى تم تسريبها.
فالنسخ طارت عبر حدود البلاد والقارات إلى أوروبا وتلقفتها هناك مجلة فرنسية ونشرت ترجمة غير كاملة بها بدون الحصول على إذن صاحبها توفيق الحكيم ورغم ذلك يطلق عليها الحكيم لفظ المحترمة.
ويقلع بنا قطار أكاذيب توفيق الحكيم إلى محطة جديدة وهى تقدم مجلة أوروبية (مختلفة عن المجلة الفرنسية) بطلب للحكيم للتصريح لها بنشر مذكراته بعد تسربها على يد المجلة الفرنسية المحترمة.
ولايخبرنا أبدا الحكيم باسم المجلة الفرنسية المحترمة ولا اسم المجلة الأوروبية صاحبة طلب نشر مذكراته بعد تسريبها.
وأرجو عزيزى القارىء ألا يصيبك الملل فنحن على وشك الوصول إلى محطة جديدة من محطات قطار أكاذيب توفيق الحكيم وهذه المحطة فى لبنان حيث نشرت مجلة لبنانية النص الفرنسى غير الكامل الذى نشرته المجلة الفرنسية المحترمة بعد ترجمته للعربية بشكل بعيد عن الأصل أسلوبا ومضمونا.
وكالعادة لايذكر لنا الحكيم اسم المجلة اللبنانية التى ارتكبت هذه الجريمة ولايذكر لنا لماذا لم يقاضيها ويطالب بالتعويض؟
ويقترب بنا قطار أكاذيب توفيق الحكيم من نهايته ونصل إلى محطة تقدم أكثر من ناشر للحكيم بطلبات لنشر النص الكامل لمذكراته.
وهنا فقط يتذكر الحكيم أنه كان ينوى مقاضاة كل الذين سربوا مذكراته لكنه خشى من اعتقاد البعض أنه ينكر ماورد بالمذكرات والانكار بالطبع ليس من صفاته.
وفجأة يتفق أصدقاء الحكيم على قيامه بنشر مذكراته طالما أن التسريب قد حدث فعلا.
وفجأة أيضا يكتشف الحكيم أن من حق الناس قراءة مايكتب لأن قلمه ملك للناس.
ويصل بنا قطار الأكاذيب إلى المحطة الأخيرة عند الصفحة ١٦ من كتاب عودة الوعى ليصرح الحكيم بأن قرر نشر الكتاب على الملأ وأن هذه المذكرات هى بمثابة شهادته أمام ضميره وأنه يطالب بالحقيقة.

…………………………………..
وبعد أن استعرضنا هذه الرحلة من الأكاذيب ننتقل إلى جولة في كتاب عودة الوعى فعلى صفحة ٣١ من الكتاب يعترف الحكيم بأنه لم يفجعه إلغاء دستور ٢٣ ولا الحياة الدستورية التى اضاعها الضباط الأحرار بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ لأنها كانت فى إطار ديمقراطية ملكية فاسدة ومطية للانتهازيين ووسيلة للمستوزرين وبرلمان كف عن مراقبة أعمال الحكومة.
وبذلك التصريح ينسف الحكيم كل ماذكره هو بنفسه سابقا عن ديمقراطية العصر الملكى.
وفى صفحة ٥٢ من كتاب عودة الوعى يذكر الحكيم واقعة تثبت انعدام رؤيته حيث حمل إليه الأستاذ هيكل كتاب فلسفة الثورة الذى أهداه له جمال عبد الناصر تقديرا منه للحكيم باعتباره مؤلف رواية عودة الروح فكان تعليق الحكيم بأن عبدالناصر أخطأ بتأليف كتاب فلسفة الثورة لأنه لايصح لسياسى أن يكشف أوراقه هكذا للعالم.
وعلى صفحة ٥٤ يسطر الحكيم أكبر أكاذيبه بقوله أن عبدالناصر لم يستطع تحقيق عدم الانحياز كما استطاع تحقيقه تيتو ونهرو لأنهما سياسيان حقيقيان.
ولايذكر لنا الحكيم ماهى المعايير السياسية التى استند إليها لوصف تيتو ونهرو بالسياسيان الحقيقيان ولم تتوافر فى عبدالناصر فلم يكن سياسيا حقيقيا؟
ولايذكر لنا الحكيم أيضا ماهو النجاح الذى حققه كل من تيتو ونهرو فى عدم الانحياز وفشل فيه عبدالناصر؟
الغريب والعجيب معا أن الحكيم يناقض نفسه تماما فى صفحة ٥٧ من كتاب عودة الوعى فيؤكد أن عبدالناصر كان رجلا سياسيا من الدرجة الأولى وكان يدير المناقشات مع أعضاء المؤتمر القومى بروح الحرية وأن عبدالناصر كان واسع الصدر عندما احتدم الجدل حول الديمقراطية ويواجه المعارضة القوية بحجج أمام حجج دون تبرم أو ضجر حتى استبانت وجهات النظر.

…………………………………..
ويتوسع الحكيم فى سلسلة أكاذيبه ويتخلى عن ثقافة الكاتب وذكر المعلومة الموثقة فنجده في صفحة ٧١ من الكتاب يقول “وقد قيل” ويبنى على كلمة وقد قيل أكذوبة حدوث إتفاق سرى عام ١٩٥٦ بين ايزينهاور وعبدالناصر يتم بقتضاه تسليم قناة السويس لمصر مقابل فتح خليج العقبة لإسرائيل وأن هذا الإتفاق ظل أمره مختفيا حتى عام ١٩٦٧.
ولايذكر الحكيم كيفية وصوله إلى هذا الاتفاق السرى ولاكيفية إعلان الولايات المتحدة عام ١٩٦٧ لهذا الإتفاق السرى الخفى؟
ثم ينتقل الحكيم بجهل شديد إلى الاعتراض على تأميم قناة السويس ودفع تعويضات لحملة الأسهم في وقت لم يتبق فيه سوى عشر سنوات لانتهاء الإمتياز وعودة القناة قانونا إلى مصر دون دفع تعويضات.

…………………………………..
وقد فندت هذه الأكاذيب فى مقال لى موجود على هذا الموقع “بيان”.

…………………………………..
ومن قناة السويس إلى حرب اليمن يذكر الحكيم أن الطائرات المصرية كانت تلقى في بزكائب الذهب إلى قبائل اليمن وأن الغطاء الذهبى الذى كنا نملكه قد ضاع بأكمله في حرب اليمن.
وقد قمت بالرد على هذه الأكاذيب فى الفصل الرابع من كتاب عبدالناصر بلاتشويه الجزء الأول.
ويخترع الحكيم أكذوبة فجة بأن الحروب في عصر عبدالناصر كلفت مصر أربعة آلاف مليون جنيه كانت كفيلة بنقل أربعة آلاف قرية إلى مستوى القرى الأوروبية.
ولايذكر الحكيم مصدر هذا الرقم؟
ويتجاهل إقامة عبدالناصر للمجمع المتكامل داخل كل قرية بإنشاء الجمعية الزراعية والمدرسة الإبتدائية والوحدة الصحية لمواجهة مثلث الفقر والجهل والمرض.
ونجاح عبدالناصر فى خفض معدلات الأمية بين المصريين من ٨٢% عام ١٩٥٢ إلى ٥٠% عام ١٩٧٠.
الكارثة هى دفاع توفيق الحكيم فى صفحة ٨١ من كتابه عودة الوعى عن الخديوى إسماعيل أكبر سفيه في تاريخ مصر الحديث فيقول الحكيم أن إسماعيل استدان بضعة عشرات من الملايين انفقها في مد السكك الحديدية وتعمير البلاد وبناء قصور بقيت لنا كمنشآت تستخدمها المصالح والوزارات وبنى دار الأوبرا ورغم ذلك فقد ادانه التاريخ.
لم يذكر الحكيم فوائد قروض الخديوى إسماعيل الجنونية وملايين السمسرة وتسلم اسماعيل فقط ٤٢ مليون جنيه من أصل ديون بلغت قيمتها ١٢٠ مليون جنيه والباقى ابتلعه سماسرة القروض والمرابين.
لم يذكر الحكيم أفراح انجال إسماعيل التى تم فيها إهدار ملايين الجنيهات على مدى أربعين ليلة.
و بعيدا عن كتاب عودة الوعى أنتقل بك عزيزى القارىء إلى مقال توفيق الحكيم بجريدة الأهرام عام ١٩٦٥ والذى ذكر فيه بالحرف الواحد مايلى:-
لقد اخترت عبدالناصر منذ ثلاثين عاما فى كتابى عودة الروح ليعيد لنا الروح ويجعل من شعبنا الزراعى شعبا صناعيا.
ومن فرط إعجاب عبدالناصر بالرواية فقد قام بتمثيلها على مسرح مدرسة النهضة أثناء دراسته فى المرحلة الثانوية وأدى دور البطل الذى تنبأ الحكيم بظهوره ليبعث مصر من مرقدها.
وبعد قيام الثورة ووصول عبدالناصر إلى سدة الحكم أيد توفيق الحكيم كل قرارات عبدالناصر وثورة يوليو مما دفع عبدالناصر إلى التصريح للحكيم بزيارته في أى وقت يشاء.
وكان أكثر مايثير إعجاب عبدالناصر فى شخص الحكيم أنه لم تكن له اتجاهات ولا اهتمامات سياسية على الإطلاق قبل الثورة.
وفى الوقت الذى أراد فيه إسماعيل القبانى وزير المعارف إقالة توفيق الحكيم من منصب مدير دار الكتب نظرا لكسله وبيروقراطيته وعدم الانتظام في ذهابه لمكتبه فكانت النتيجة أن تدّخل عبدالناصر شخصيا ورفض إقالة الحكيم ووبخ إسماعيل القبانى مما اضطر الوزير إلى تقديم استقالته التى قبلها عبدالناصر وكان يردد في أحاديثه أنه أقال وزيرا من أجل مفكر.
ولكن الحكيم يصدمنا في صفحة ٤٨ من كتاب عودة الوعى باعترافه أنه لم يخطر على باله أن يشكر جمال عبدالناصر بالمقابلة ولا بالمراسلة ولايدرى توفيق الحكيم سببا لذلك.
وقام عبدالناصر بتعيين توفيق الحكيم وكيلا للوزارة بالمجلس الأعلى للفنون وعضو مجلس إدارة جريدة الأهرام وخصص جناحا بالدور السادس لتوفيق الحكيم فى المبنى الجديد للأهرام الذى أنشأه الأستاذ محمد حسنين هيكل.
ولاتقف مواقف عبدالناصر المشرفة مع توفيق الحكيم عند هذا الحد فقد منحه قلادة النيل عام ١٩٥٨ وهى أعلى وسام مصرى وكذلك منحه جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام ١٩٦٠ ووسام العلوم والفنون عام ١٩٦٠ وأصدر ناصر قرارا بتعيين توفيق الحكيم سفيرا لمصر في اليونسكو تمهيدا لترشيحه أمينا عاما لليونسكو ولكن الحكيم اثبت فشل رهيب فى وظيفته كسفير لمصر لدى اليونسكو.
وعندما وجه الأديب أحمد رشدى صالح اتهاماته لتوفيق الحكيم باقتباس كتابه “حمار الحكيم” من رواية “أنا وحمارى” للأديب الأسبانى رامون خمينبث فإن عبدالناصر ثار ثورة عارمة ورفض اتهام الحكيم بالاقتباس.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل سمح عبدالناصر للحكيم بنشر أعمال معارضة مثل “السلطان الحائر” و “بنك القلق” التى أراد عبدالحكيم عامر مصادرتها فرفض عبدالناصر واستند في رفضه إلى نجاح الحكيم فى نقد الأوضاع الاجتماعية فى روايته: “يوميات نائب فى الأرياف”.
وقبل انقلاب الحكيم على عبدالناصر بعد وفاته فإن التاريخ يسجل للحكيم موقفين قمة في الوفاء لناصر كالتالى:
الأول: تجسد في إغماءة خلال الجنازة الحاشدة لعبدالناصر.
والثانى: دعوته للشعب المصرى للتبرع لتدشين تمثال عملاق لعبدالناصر فى ميدان التحرير.
لم يتذكر الحكيم هذين الموقفين وهو يكتب “عودة الوعى” والذى ذكر فيه أن العاطفة اعمته عن الرؤية ففقد الوعى.
وقام الشاعر نزار قباني بالتعليق على كتاب عودة الوعى فى مقال له بصحيفة “الحياة اللندنية” فى الذكرى الثانية لوفاة عبدالناصر بقوله: “إن كتاب توفيق الحكيم ردىء جدا وخفيف ومتأخر ولايتحدى به أحد فالخصم المفترض وهو جمال عبد الناصر ينام تحت رخامة القبر فى منشية البكرى بالقاهرة”.
وفضيحة توفيق الحكيم فى كتاب “عودة الوعى” تكمن في مقولته إنه خلال إعلان الثورة كان واقعا تحت تأثير السحر ومنوم تنويما مغناطيسيا.
فكيف يمكن لكاتب كبير أن ينزلق إلى هذا المنطق الطفولى ويقول بكل بساطة إنه كان مسطولا ومجذوبا وواقعا تحت تأثير السحر لمدة عشرين عاما.
المقال فصل من كتابى عبدالناصر بلاتشويه الجزء الأول.
وفصل من كتابى عبدالناصر بلاتشويه الجزء الثالث

……………………………………………………………………………………………….طارق صلاح الدين

– الموضوع فصل من الكتاب المعنون بـ: ” عبدالناصر بلاتشويه” الجزء الأول ،
وفصل من نفس الكتاب الجزء الثالث، لكاتبه طارق صلاح الدين.

اقرأ فى هذه السلسلة:

زر الذهاب إلى الأعلى