د. قاسم المحبشى يكتب: من وحي معرض القاهرة الدولي للكتاب (1من2)

تحت شعار (على اسم مصر- معا: نقرأ.. نفكر.. نبدع) ينعقد المعرض الدولي للكتاب في دورته الـ54، للفترة من 24 يناير حتى 6 فبراير٢٠٢٣، فى مقر مركز مصر للمعارض الدولية فى التجمع الخامس، واختيار المملكة الأردنية كضيف شرف لهذه الدورة، وذلك بمشاركة 1047 ناشرا من 53 دولة، بينهم 398 دار نشر مصرية، 255 ناشر عربى، و41 تاجر من سور الأزبكية، و99 توكيل.

شخصية المعرض لهذه الدورة الكاتب صلاح جاهين والكاتب كامل كيلاني شخصية معرض كتاب الأطفال، وقد وصلني البرنامج الثقافي المرافق للمعرض فوجدته زاخرا بمئات الفعاليات الثقافية باجمالي 500فعالية مميزة تعبر عن شعار المعرض، “على اسم مصر- معًا: نقرأ.. نفكر.. نبدع”، ليكون النشاط مرسخا لثقافة القراءة وجامعا لجوانب الإبداع المصري باستحداث محاور جديدة تتوافق مع استراتيجيات الجمهورية الجديدة، أبرزها عقد مؤتمر حول الملكية الفكرية وحماية الإبداع في الجمهورية الجديدة، في ظل إطلاق الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية العام الماضي، والتي تهدف إلى ترسيخ دعائم منظومة الملكية الفكرية في جمهورية مصر العربية، كركيزة رئيسية لحماية الإبداع.

هذا فضلًا عما يتيح المعرض من فرص التعرف على الإصدارات الجديدة في مجال الفكر والثقافة والتعرف على شخصيات ثقافية عربية ومصرية جديرة بالقيمة والاعتبار.

وحينما تفتح مصر ذرعيها لشقيقاتها العربيات فهي تقوم بدور الأم الحانية في تضميد الجراح الموجعة.

في مصر الكنانة وحدها يمكن يجتمع العرب ليجدوا فضاءا رحيبا لعرض ثقافاتهم وهكذا هي الثقافة فمهما فرقتنا السياسات تبقى الثقافة هي حيلتنا الوحيدة للتواصل والاتصال وحينما يفقد الناس أوطانهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، تبقى الثقافة هي من تحملهم ويحملونها في حلهم وترحالهم بمثابة وطنهم البديل وتجعلهم أطياف أوطانهم الحبيب على أجنحة الثقافة القادرة على التحليق في الفضاءات الرحيبة، فضلا عن أن الثقافة هي النافذة الممكنة للتواصل والتعارف والتفاهم والحوار في هذا الكوكب الإنساني الذي بات شديد التقارب والانكماش.

وأنا أدمنت شراء الكتب منذ أن تعلمت القراءة والكتابة، فالكتب هي أكثر الأشياء التي أحببتها في حياتي، وحينما أعلم بوجود معرض للكتاب في متناول اليد اغتنم فرصة زيارته بحماسة واهتمام. وقد تصادف وجودي في أكثر من مدينة عربية مع تنظيم معارض دولية للكتاب في عدن وصنعاء وبغداد ودمشق والرياض والجزائر والخرطوم القاهرة،لم يفوتني واحدًا منها.

اليوم وأنا أتجول بين أجنحة المعرض الدولي بدورته ٥٤ للكتاب في القاهرة للمرة الثانية، أحسست بمشاعر مختلفة عما كنت اشعر في زيارة معارض الكتاب في مرحلة الشباب.

كنت حينها أتحين الفرصة لموعد المعرض برغبة وحماسة مفعمة بالفرح والأمل كما أتحين مناسبة سعيدة.

وكنت أفحص الكتب المعروضة بدقة متناهية ولا يفوتني أي إصدار جديد من إصداراتها ودار كنعان الشامية للأستاذ سعيد البرغوثي والمدبولي شاهدان على ما أقوله.

وكنت أضع برنامجًا يوميًا لزيارة المعرض حتى أشبع نهمي من شراء الكتب التي تهمني في مختلف مجالات المعرفة ألإنسانية، فلسفة وعلم نفس وتاريخ وعلم اجتماعي وسياسة وأدب، رويات ودواوين شعرية وغيرها، فكم هي الكتب التي اشتريتها في عواصم الدول العربية ولم أتمكن من حملها فاضطريت إلى إهداءها لأصدقائي.

وحينما أتذكر مكتبتي العامرة بكل ما لذ وطاب من الكتب الأثيرة على قلبي في عدن تظم قرابة 3000 كتابا وكم هي المرات التي اضطربت إلى نقلها والحفاظ عليها في حرب 1994 الغاشمة وما تلتها من حروب متناسلة ينتابني الإحباط والحسرة ولكنني لم ابلغ مرحلة الندم.

قبل سنوات أهديت جزء من مكتبتي إلى مكتبة كلية الآداب بجامعة عدن، نذرت بها على سلامة المكتبة التي تم إنقاذها على عجل أثناء الاجتياح الحوثي لعدن، تم تهريبها إلى مكان آمن، وحينما عدت ووجدتها سالمة نذرت ببعضها، وتركت ما بقي منها بأمانة الأصدقاء، وقبل ذلك حملت بعضها إلى الجزائر وأهديتها للأصدقاء الأعزاء في مركز فاعلون في تبسة، وبعضها أهديتها للأصدقاء في الخرطوم، وفي بغداد تركت ما ثقل من الكتب وحملت أخفها، وفي مسقط تركت ما ثقل منها وحملت أخفها وفي الرياض تركت ما ثقل منها وحملت اخفها.

وهكذا باتت مكتبتي متذررة في مهب العاصفة تمام كحال بلادنا الممزقة بالحروب والعواصف.

أتذكر الآن كيف تداعت تلك الصورة السلبية إلى ذهني وأنا أتجول بين أجنحة معرض القاهرة الحادي والخمسين وأنظر بحسرة إلى رفوف الكتب الجديدة، التي لم تعد تثير رغبتي بالشراء، اكتفيت بإلقاء نظرة عابرة واحسيت بإرهاق من التجول بعد ثلاث ساعات.

وعلى مدى الثلاث سنوات الماضية حدث التحول في حياتي من القراءة الكتابة إذ اعتكفت في مكتبتي المتواضعة وانجزت أربعة كتب في الفلسفة والثقافة هي: فلسفة التاريخ في الفكر الغربي المعاصر في جزئين وكتاب مقاربات في فلسفة العلوم والتربية وكتاب فيما يشبه الانتظار وكتاب استئناف الدهشة وتم عرضها في المعرض الحالي للكتاب في جناحين الأول الدار البحرينية المصرية للنشر والتوزيع صالة رقم ١ جناح A17 والثاني جناح المكتبة اليمنية وخالد بن الوليد صالة رقم 3 جناح 18D.

وقد سعدت حينما شاهدت بعض أصدقائي وهم يحملون كتابي، وهذا يبعث بعض السلوى والأمل بأن الجهد المبذول في تأليف الكتب لم يذهب سدى بل هو ما سوف يبقى وللأفكار أجنحه تحلق بها في كل مكان حتى بعد رحيل أصحابها.

وأنا افكر بالجهود المضنية التي بذلها الكتاب في تأليف كتبهم وتسألت مع نفسي يا ترى من يقرأ تلك الكتب الورقية الكثيرة والجميلة جدا في زمن بات انشغال الناس فيه بالشبكة العنكبوتية؟!.

وما أصعب الكتابة والبحث والتأليف في بيئة ثقافية لم تترسخ فيها ثقافة القراءة التي هي أوسع الطرق إلى المعرفة إذ تفيد تقارير كثيرة منشورة في النت إلى أن متوسط قراءة الفرد الأوربي 200 ساعة في السنة، ومتوسط قراءة العربي 6 دقائق.

الإسرائيلي يقرأ 40 كتاباً في السنة، وثمانون عربياً يقرأون كتاباً واحداً، أي يتطلب قراءة الأربعين كتاباً 3200 عربياً، والعربي يقرأ ربع صفحة سنوياً.

وإذا علمت بأن أغلب الكتب التي تُباع في معارض الكتاب العربي هي بالتسلسل كتب الدين والطبخ والأبراج والقصص، وإذا علمت بأن القراءة أهم وسائل تكوين المعرفة وتشكيل الوعي، أدركت حجم الكارثة التي نعيشها في بلاد العرب العاربة والمستعربة.

وستبقى القراءة أوسع الطرق إلى المعرفة في كل زمان ومكان، والعقول مثل الحقول مهما كانت خصبه لا يمكنها أن تنجب الثمار الطيبة بدون تمهيد وحراثة وكذلك هي العقول لا يمكنها أن تنتج الأفكار الجديدة بدون قراءة مستمرة. والقراءة هي أوسع الطرق إلى المعرفة.

وفي الختام نقول نعم مع الراحل جمال حمدان؛ مصر عبقرية المكان وذاكرة الزمان.

اقرأ أيضا للكاتب:

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى