د.قاسم المحبشي يكتب: في تأمل معنى الحياة والتاريخ وضرورة التجديد (١من٢)

التجديد والتغيير والتطور والتقدم والنمو والارتقاء خاصية جوهرية من خصائص الحياة والتاريخ والزمان والمكان، ففي عالم ما تحت فلك القمر، عالم الأرض والإنسان والحاس والمحسوس والفعل والانفعال لاشئ يدوم على حال من الأخوال، فكل شيء في حركة وتحول وتبدل ونمو وتجدد باستمرار وهذه سنة من سنن الكون وقانون من قوانين الحياة والتاريخ. فالنمو هو جوهر الحياة وكل الكائنات الحية تنمو وتنضج وتكبر وتشيخ وتموت وتعود من جديد وتتبدل من حال إلى حال ولا يستطيع المرء أن يستحم بمياه النهر مرتين!
والتغير جوهر التاريخ بوصفه زمانًا يمضي في ثلاثة أبعاد هي الماضي والحاضر والمستقبل، في كل آن من الأوان فما كان قد ذهب إلى الأبد ويستحيل إعادتها والمستقبل هو ما لم يوجد بعد، والحاضر فقط هو الذي نعيشه هنا والآن حياة فورية مباشرة ولكنها سيالة ولا يمكن إيقافها، وبقدر ما نعيشها في كامل امتلاءها يكون لها معنى أما إذا تركتناها تمر بالعجز والكسل والخذلان فلا يمكن أن تنجم الثمار لي قادم الأيام وهذا هو معنى التاريخ عن كورتشيه.
أنه حاضرًا مستمرًا يشكلنا ونشكله في حدود الممكنات المعطاه لنا سلفًا من الماضي، وتلك الممكنات أما أن تكبلنا بثقلها التاريخي أو تحفزنا وتمدنا بالطاقة والدافعية لتجاوزها باتجاه المستقبل.
والتاريخ لا يعود أبدًا مرتين! إذ هو صيرورة مستمرة في الزمان والمكان فأمس غير اليوم وغدًا غير الأمس، وحوادث الزمان والناس هي جديدة وفريدة ونوعية في كل زمان ومكان. ونحن نعيش التاريخ كما تعيش الأسماك بالماء وليس بمقدورنا الخروج منه أو مغالطة استحقاقاته الفورية المباشرة فأما أن نستجيب إلى تحدياتها ونتدبر أمرنا في كيفية تجاوزها وأما سحقتنا بعجلاتها وتجاوزتنا. ولا شيء يأتي إلى التاريخ من خارجه ولا شيء يخرج منه. التاريخ هو التاريخ يمضي إلى سبيله من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل وليس بمقدور أحد إيقافه. أنه الذي يكسر رؤوس البشر ولا يتكسر رأسه أبدًا. فهل أدركنا ماذا يعني العيش في التاريخ وكيف يمكن تدبير حياتنا فيه ولا خيارات بديلة من ذلك. وتكريم الأسلاف لا يعني النوح على شواهد قبورهم ولا التوقف عند زمانهم ولا الاحتفاظ برماد قبورهم بل يعني ويجب أن يكون استئنافًا جديدا للفعل التاريخي بما يجعل الشمعة التي اوقدوها ذات يوم متوهجة باستمرار وكل جيل من الأجيال معني بتدبير العيش في حاضره هو لا ماضي اسلافه ومواجهة تحديات حاضره هو في ظل المعطيات والشروط والممكنات المتاحة في اللحظة الراهنة والمستقبل هو أمام الناس لا ورائهم!

زر الذهاب إلى الأعلى