أحمد جمال البنا يكتب: الأزهر .. بين د.مصطفى عبد الرازق و د.أسامة الأزهرى

فى عام ١٩٣٣ صدر كتاب ” أهل الكهف ” للكاتب الكبير توفيق الحكيم والذى أحدث نجاحاً باهراً ، و يحكى الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر الشريف انه كان ذات يوم يتصفح احد المكتبات فوجد غلافاً حسن الصورة لكتاب يحمل اسم ” أهل الكهف” فلم يكترث كثيراً به لعدة أسباب .. منها انه لم يعرف الكاتب أصلا فقد كان كاتباً ناشئاً حديثا و منها انه لم يكن مولعاً بتفسير المحدثين و أغلب الظن أن الكتاب يحمل تفسيراً لقصة أهل الكهف التى نعرف تفاصيلها من القرآن الكريم و من الخطب المنبرية المتكررة ، وبالتالي فقد مضى مكتفياً بمتعة النظر .. أو كما ذكر فضيلته .
حتى جاءه فى نفس اليوم أحد أصدقائه مهديا له نفس الكتاب الذى رءاه صباحاً ، فلم يكن أمامه بدٌ إلا أن يقرأ الكتاب ، فإذا بالكاتب هو من خيار الافندية ، و إذ بالكتاب لا يقل جمال معناه عن جمال صورته !

ثم شرع – رحمه الله – فى مقال رائق يحكى عما فى الكتاب من جمال المعنى و المبنى ، حيث أن الكاتب درس القصة درساً محيطاً ثم أسلم جوهرها إلى خيال موفق وفكر مستقيم و ذوق سليم ، فصور من كل أولئك موضوعا روائيا طريفاً كساه الأسلوب السهل الفصيح حلةً رائعة .

مرَّ هذا الموقف بذاكرتى حينما كنت أطالع ما كتبه فضيلة الدكتور أسامة الازهرى منذ أيام عن رواية جديدة تحمل اسم ” أوراق شمعون المصرى ” مادحاً إياها ، و مثنياً على مؤلفها ثناءً يغبطه الكثيرون ، و فاتحاً له أبواب الدعم الكامل ، فشعرت بعظمة ذلك الكيان الذى أخرج لنا هؤلاء العلماء الذين تخصصوا فى علوم الشريعة فإذا بهم يدعمون كل صاحب فن و ذوق رفيع ، و كل صاحب مشروع أدبى و فنى يحاول استعادة القيم و الهوية الوطنية و لا يرون تناقضاً بين الفن الراقى و بين الدين القويم.

لم يكن ذلك هو الموقف الوحيد للدكتور أسامة الازهرى الذى يبين فيه عمقه الأدبى لجموع الناس ، و إنما أتذكر لقاءً جمع بينه و بين الكاتب الراحل الدكتور نبيل فاروق -رحمه الله- و كان من ضمن فقرات اللقاء مداخلة للكاتب الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق – رحمه الله- و دارت بينهم مناقشة عميقة امتدت لساعات لم يتخللها صخب ولا جلبة و إنما رؤى و أفكار و دوائر معرفية أقامت حالة من الثراء عند جموع المتابعين.

فى هذا اللقاء أتذكر أن الشيخ الازهرى ذكر أنه قرأ سلاسل روايات الكاتبين كاملة عدة مرات ! و فكرت يومها .. كيف لرجل دين ليس لديه من الكثير من الوقت إلا ليقرأ ما يختص به من علوم الفقه و الحديث و اللغة و الشريعة عموماً ان يعكف لقراءة روايات خيالية تستهدف -غالبا- صغار السن او الشباب ؟
إنه الأزهر الشريف الذى علم ابناءه قديماً و حديثاً ان القراءة و الاطلاع الدائم على كل العلوم باب أساسى من أبواب المعرفة الكاملة و التى تساعد على فهم علوم الدين و مقاصد الشريعة حتى لا يكون عالم الدين منفصلاً عن واقع حياته ثم يخرج بفتاوى تتناقض مع الحياة فيفسد على الناس دينهم و دنياهم .

 

اقرأ أيضا.. أحمد البنا يكتب: ( حكمة ) … بندقية توفيق الحكيم

رحمة الله الواسعة على الشيخ مصطفى عبد الرازق و تحية للدكتور أسامة السيد ابن الأزهر على ما يوم به و كل الشكر لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذى اختاره مستشاراً دينياً فهو نعم العالم الذى تطمئن لكل كلمة يقولها و توقن انها خرجت من عقل واعٍ مدرك لطبيعة الحياة و مقاصد الدين .

زر الذهاب إلى الأعلى